فالمعنى المقصود في استعمال لفظ الغيب على الله هو انتفاء شهود الخلق له في معظم الأحوال، وهذا صحيح وواقع.
أما الذين رفضوا إطلاق لفظ الغيب على الله, فكان قصدهم أنه حاضر مع كل كائن في كونه {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [المجادلة: 7] . فهو سبحانه مع خلقه علما ورزقا ولطفا وإحياء وإماتة، وهو سبحانه لا يعزب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض، ولا أصغر من ذلك ولا أكبر، فهو سبحانه شهيد على العباد رقيب عليهم، ومع كل كائن في كونه بهذا المعنى، فهم الغائبون عنه وليس هو الغائب عنهم، ولذلك لا يجوز إطلاق لفظ الغيب على الله, وهذا المعنى صحيح أيضا.
وعند التحقيق لا نجد خلافا بين أصحاب الرأيين. فأصحاب الرأي الأول يجيزون استعمال لفظ الغيب على الله لغياب الخلق عنه، وأصحاب الرأي الثاني يرفضون ذلك؛ لأنه سبحانه ليس غائبا عن الخلق وإن كان الخلق غائبين عنه. وكلا الرأيين صحيح على هذا التفسير, فصارت المسألة خلافا لفظيا فقط.