حيث كيفية الصنعة، دقة وإتقانا، فنقول له: {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ، وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ، وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ، وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ} [الغاشية: 17-20] .
والسؤال في هذه الآيات يدور حول كيفية الصنعة وليس عن وجودها. والفارق كبير بين مضمون السؤالين، فالسؤال عن كيفية الصنعة لا يملك الإجابة عنها إلا صانعها أو من كان في مستواه من العلم بكيفيتها والغاية والقصد منها؛ ولذلك فإن النظر العقلي هنا يدرك من مضمون السؤال حسب استطاعته فقط. فهو يدرك منها ولا يدركها؛ لتبقى القضية كلها في نطاق الإعجاز من جانب ومطلبا شرعيا للعقل من جانب آخر.
2- وأحيانا يطلب القرآن من العقل ألا يكتفي بمجرد النظر إلى هذا الكون, بل لا بد أن يخترق ظواهره ليكتشف ماذا في داخله. قال تعالى: {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [يونس: 101] ومعلوم أن الأمر بالنظر في الشيء أعلى درجة من مجرد النظر إلى الشيء، فليصعد الإنسان إلى القمر -إن شاء- أو إلى ما شاء من الكواكب، وليهبط -إن شاء- في باطن الأرض مكتشفا وباحثا, فإن ذلك كله مطلب شرعي في منهج القرآن؛ لأن رسالة الإنسان في الكون واستعمار الأرض لا تتم إلا بذلك، وحين يخاطبنا القرآن بقوله تعالى: {هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ