الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} [هود: 61] فإنه يطلب منا بصيغة الأمر أن نعمل على عمارة الأرض بكل ما نستطيع، والتقصير في تنفيذ هذا الأمر معصية جماعية تجني الأمة ثمرتها فقرا ومرضا ومذلة وهوانا وتخلفا وتبعية لأمم الأرض.

وحين يذكرنا القرآن بأحوال الأمم السابقة وكيف جرت عليهم السنن الإلهية في الكون من ازدهار للحضارات أو انهيار لها، فإن ذلك كان على سبيل التعليم والإفادة من الدرس والعبرة من التاريخ؛ ليكون تاريخ الإنسان نفسه مجالا رحبا لعمل العقل ليتعرف منه على أساس ازدهار الحضارات وانهيارها، ليعي العبرة من قص القرآن لهذه السنن وعلاقتها بالأفراد والجماعات. فالكون كله مسرح للعقل وميدان لعمله، وتاريخ الإنسان كله مسرح لنظر العقل، والعقل مهيأ للسيطرة الكلية على الكون واحتواء تاريخه، فكرا وتأملا، مقدمات ونتائج، علاقات بين الأشياء، أسبابا ومسببات، تسخيرا وتوظيفا، وتلك مهمة العقل ووظيفته في عالم الشهادة، وذلك واجبه الشرعي الذي ندبه القرآن له وحثه عليه وأمره به.

وليس من قبيل المصادفة أن يلفت القرآن نظر المسلم إلى بعض آيات بعينها من آيات الله في كونه جعلها اسما وعلما على بعض سور القرآن، وكأنه يقول للعقل في هذه اللفتة: تلك قضية تحتاج إلى نظر وتدبر، وقد يقرأ المسلم هذه الآيات دون أن يعيرها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015