من المهم في هذا السياق أن نبين أن المعرفة الإنسانية تتنوع مصادرها وأدوات تحصيلها، فأحيانا نقول: هذه معرفة حسية خالصة، إذا كان موضوعها المحسوسات وأدواتها الحواس، كرؤيتنا للنار وللشمس والهرم. وأحيانا نقول: هذه معرفة عقلية خالصة, إذا كان موضوعها هو المعاني والمعقولات المجردة كعلمنا بالعدل وأنه خير، والظلم وأنه شر، وكعلمنا بأن النقيضين لا يجتمعان أبدا ولا يرتفعان أبدا، وأحيانا نقول: هذه معرفة حسية عقلية معا, كعلمنا بالمعارف التجريبية مثل أن النار محرقة, وأن الثلج بارد, والشمس تبعث الحرارة ... إلخ.
ومن الملاحظ أن كل هذه المعارف الحسية المتنوعة ترتبط بالواقع الحسي وتبدأ منه وتعود إليه بسبب ما، أما المعارف العقلية الخالصة فلا علاقة لها بالمحسوسات أصلا لا بدءا ونهاية, وإنما هي إدراك عقلي مجرد عن الحسيات ولواحقها.
ولكن هناك لون آخر من المعرفة يتعلق بما وراء المحسوسات، يتعلق بعالم الغيب، وليس التعرف على هذا العالم