معزولًا عن العقل ولا منقطع الأسباب بالعالم الحسي كما يخيل للبعض أن يزعم ذلك، ولكن منهجه في التعرف عليه وعلى مسائله يختلف عن منهج التعرف على عالم المحسوسات أو عالم الشهادة بلغة أهل الاصطلاح. إن الخلاف فقط خلاف في المنهج والوسائل، وإذا أحسن الباحث توظيف المنهج العلمي في التعرف على عالم الشهادة, والتعرف على وظيفة هذا العالم وأهداف وجوده ومقاصده والغاية الإلهية من وجوده، فإن ذلك يقوده بالضرورة إلى التعرف على عالم الغيب وقضاياه.
ولما كان هذا العلم عزيز المنال على كثير من العقول، صعب التحصيل لكثرة ارتباط العقل بالمحسوسات, كان دور الوحي في التعرف عليه مهما وضروريا؛ ليقود العقل إلى ما غاب عنه، ليقرب إليه ما بعد عنه وليكشف له عما وراء حجب المحسوسات، وليست حاجة العقل إلى الوحي هنا تعني الطعن في العقل أو التقليل من شأنه كما يحاول البعض أن يصور القضية, وكأنها صراع بين العقل والوحي. لا, إن القضية ليست طعنا في العقل ولا تهوينا من شأنه, إنها فقط توزيع وظائف، إنها أشبه بوضع كل أداة من أدوات المعرفة في مكانها المناسب لها ومحاولة الإفادة منها في مكانها وبوضعها الطبيعي المخلوقة من أجله، وكما قلنا: إن هناك معرفة حسية خالصة أدواتها الحواس، وهناك معرفة عقلية خالصة أدواتها العقل ومعرفة