وقضية الوحي في أساسها لا يملك العقل برهانا على إنكارها، فهي في أصل ثبوتها ليست مما يحيله العقل ولكنها ليست مما جرت به العادة بين العقلاء، وهذا أمر لازم لها، فهي ليست من قبيل العادات ولا الأعراف التي تعوّد الناس على معايشتها حتى يتقبلوها بسهولة. ومن هنا كانت محل إنكار من الكافرين بقضية النبوة، والسبب الرئيسي في هذا الإنكار هو عدم التعود على مشاهدة هذه الحالة، وهناك فارق كبير بين المستحيل العقلي والمستحيل عادة. ومن الخطأ منهجيا أن يحمل الناس المستحيل العادي على المستحيل العقلي، وهذا يفسر لنا موقف المشركين من الرسل جميعا حين دعوهم إلى الإيمان بهذا الوحي, فقالوا للرسول: {مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ} [يس: 15] .
وقالوا: {إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ} [إبراهيم: 10] .
وقالوا: {يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ، لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [الحجر: 6، 7] .
وقال بعضهم لبعض: {وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ} [المؤمنون: 34] .
وقالوا: {مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا} [الفرقان: 7] .