وقالوا: {لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} [الزخرف: 31] .

وقالوا غير ذلك كثيرا، وعند تأملنا هذه الاعتراضات الواردة على الرسل نجد سببها هو مخالفة هذا الأمر لما تعودوه وتعارفوا عليه من ألوان المعرفة العادية، ولما كانت الكهانة والسحر من الأمور الشائعة بينهم, فقد نسبوا الوحي إلى هذه الظاهرة فقالوا: {إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ} , {وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ} .

وفرعون -قديما- لم يجد عنده ما يعارض به نبي الله موسى إلا اتهامه بالسحر؛ ولذلك جمع له كبار قومه في فنون السحر. ولما وقفوا على حقيقة ما مع موسى -عليه السلام- أدركوا أنه ليس من جنس بضاعتهم؛ ولهذا كانوا أول من آمن برب العالمين رب موسى وهارون، وقال فرعون لهم: {إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِين} [الشعراء: 49] . إلى غير ذلك من وسائل التهديد بالعذاب والهلاك, فما كان جوابهم إلا أن قالوا لفرعون: {فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا، إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [طه: 72، 73] .

وعلى هذا النحو كانت قضية الرسل مع أقوامهم, فالنبوة أصلا أمر غير عادي.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015