{وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ، مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [الدخان: 38، 39] .
إن الوحي هو الذي يقدم للعقل تفسيرا مقنعا لعلة الوجود وغايته، والوحي هو الذي يقول للعقل: إن هناك حياة آخرة بعد الحياة الدنيا يكتمل بها حكمة الوجود الإنساني، يكتمل بها الموقف المعرفي للعقل، يكتمل بها منظومة الوجود كله في ضوء من العدل الإلهي الذي به يكون للوجود معنى وللأخلاق أثر في سلوك الإنسان.
إن الوجود الإنساني لو كان قاصرا على هذه الحياة فقط لكان وجود الإنسان فيها هو البؤس بعينه, ولما كان للوجود معنى ولا للحياة قيمة، فحياة الإنسان تحيط به من كل جانب بما يدعو إلى الإشفاق، فما أكثر الآلام والأمراض، وما أكثر المظالم والطغيان، وما أكثر عوامل القهر والتسلط بين بني الإنسان، فالقوي متسلط على الضعيف، والغني متسلط على الفقير, والحاكم متسلط على المحكوم، وكم من مظاهر الفساد والإفساد, فإذا لم يكن هناك حياة آخرة يقتصّ فيها للمظلوم من الظالم وللضعيف من القوي وللشعوب من حكامها لكان الوجود كله عبثا, وهذا ما يرفضه العقل وينفيه النقل. قال تعالى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ، فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ} [المؤمنون: 115] .
{أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّار} [ص: 28] .