ولا لماذا تتحول في الإنسان إلى قوة مدركة عاقلة، ولم يتساءل عنها الطبيب لأنها أصلا ليست من مهمة العلم، ولو سألت طبيبا لم تتوزع الأغذية في بدن الإنسان إلى طاقة تؤدي دائما إلى وظائف محددة في كل عضو من أعضاء الجسم, وإن هذه الوظائف لا تتخلف أبدا إلا لعلة طارئة؟ أو كيف تنظم هذه الطاقة وظيفتها في كل كائن حي حتى يطير بها الطير في السماء, ويسبح بها السمك في الماء، ويعيش بها الإنسان على وجه الأرض؟ لكانت إجابة الطبيب عن هذه الأسئلة: إن ذلك ليس داخلا في مهمة العلم، إن العلم يصف ما يحدث وليس من مهمة العالم أن يتكلم عن لماذا يحدث؟
إن معرفة العلل الغائية لهذا الوجود سر لا يكشف عنه إلا الوحي؛ لأن العلم كما قلنا يتكلم عما يحدث ولا يعنيه التحدث عن العلة الغائية التي هي إجابة عن السؤال: لماذا؟ ولا راحة للعقل إلا باكتمال الموقف المعرفي لديه، وإذا كان العلم قد كشف له عن كثير من دقائق هذا الكون وأسراره, فيأتي دور الوحي ليقول للعقل ما عجز عنه العلم، ويعرفه بأسباب هذا الوجود، ويكشف له عن غاياته وأهدافه؛ حتى لا يقع العقل في أودية الحيرة وضلال العبثية.
وصدق الله العظيم: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء: 85] .
{يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} [الروم: 7] .