وكم لأرباب الرياضات في مثل هذه المواقف من تجارب وأهوال مع النفس وأسرارها، وكم سهروا الليالي في تهذيب رغائبها وترويض جموحها، ولم تصح لهم النفس من عللها ولم تستقم من اعوجاجها إلا بتعاليم الوحي. قال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} , {الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} , {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} .
وما زالت الدراسات قاصرة عن اكتشاف خصائص النفس وسبر غورها والوقوف على كل صفاتها الذاتية، وكلام علماء النفس حولها يدور كله حول ما ظهر لهم منها؛ حول مظاهرها السلوكية، حول أحوالها وعاداتها، أمراضها الظاهرة فقط، ولكن هناك مناطق مظلمة في النفس الإنسانية لا تستطيع اكتشافها ولا سبر أغوارها ولا يحسها إلا صاحبها فقط، وقد لا يحسن المرء التعبير عنها ولا إقامة الدليل على وجودها, رغم وجدانه لها وخضوعه لآثارها. ولعل من هنا كان اهتمام القرآن الكريم بالإشارة إلى هذه المناطق المغلقة أمام العقل البشري في النفس الإنسانية, والتي سماها القرآن آيات وأشار إليها أكثر من مرة. قال تعالى: {وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ، وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} [الذاريات: 20، 21] وفي النفس آيات أيضا. وقال أيضا: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ} [فصلت: 53] . ونلاحظ في الآيتين أن النفس جاءت معطوفة على آيات