الأرض وآيات الآفاق؛ لتفيد معنى التسوية والمعادلة بين الآيات في الجانبين, فكأن آيات النفس تعادل في دقتها وعظمتها آيات الآفاق في كثرتها, وتنوعها كما تعادل آيات الأرض في نفعها وضررها.
إن اكتشاف هذه المناطق المظلمة في النفس الإنسانية واستثارة كوامنها لا يتأتى إلا بعطاء الوحي, الذي يعلم خفاياها ويعرف أمراضها ودواءها. إنها العالم الأصغر الذي أقسم به القرآن في مواجهة العالم الأكبر, قال تعالى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا، فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا، قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا، وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس: 7-10] .
إن النفس الإنسانية بحاجة إلى الوحي لكي يأخذ بيدها إلى شاطئ النجاة مستعينة في ذلك بيقين الاعتقاد وسلامة الإرادة ونبل المقصد, وتستمد عونها من الله حتى لا تلعب بها عواصف الأهواء. وقال صلى الله عليه وسلم: "اللهم لا تكلني إلى نفسي طرفة عين ولا أقل من ذلك" وقال بعض الحكماء: "نفسك إذا لم تجبرها على فعل الخير والطاعة جبرتك هي على فعل الشر والمعصية"؛ ولذلك كانت الاستعانة بالله على قهر النفس دعاء نتقرب به إلى الله في فاتحة الكتاب وفي الصلوات: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِين} [الفاتحة: 5] .
وينبغي أن نعلم أن النفس الإنسانية لا تنتمي في أصلها إلى عالم الشهادة حتى تستطيع أن تتعامل معها بمنطق العلم الحسي،