عظم "رميما" بيديه: يا محمد, أترى أن الله يبعث هذه العظم بعدما أصبحت رميما؟ فقال له الرسول: "نعم, يبعثها ويبعثك ويدخلك النار". ونزلت الآية لتقول له: كيف تضرب لله الأمثال بهذه القطعة وتنسى أنك كنت عدما فأصبحت موجودا؟ أليس الذي أوجدك من العدم أول مرة قادرا على إعادتك مرة ثانية؟ ألا تكون الإعادة أهون من الخلق الأول؟
الدليل الثاني: ثم جاءت الآية الثانية بدليل أكثر عموما, فقال للرسول: {قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ} ليفهم المخاطب أن الذي تكفل بالخلق الأول من العدم قادر على الخلق الثاني من وجود.
الدليل الثالث: ثم ساقت الآية دليلا علميا يحتاج إلى مستوى أرقى من التعقل, فقال سبحانه وتعالى: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ} ومن المعلوم أن من خصائص الشجر الأخضر أنه رطب بارد، وأن من خصائص النار أنها حارة يابسة، وخصائص الخضرة على النقيض من خصائص النار, وفي لغة العقل أن الجمع بين النقيضين محال، والآية تنبهنا إلى أن الله تعالى قد خلق النار من الشجر الأخضر، أي: خلقها من نقيضها. وإذا كان الله قد خلق النار من نقيضها فإنه يكون قادرا على إعادة خلق الشيء من أصله, بل إن ذلك أولى في القبول وأدعى للصدق. وهذه الأدلة كلها تنطلق من عالم الشهادة وتتخذ منه أساسا ومرتكزا لإثبات عالم الغيب، ولست هنا في مقام الاستدلال على البعث أو الاستدلال