من العدم وإعادة خلقه يكون من وجود، قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الروم: 27] .
وهذا ما يسمى بلغة المنطق بقياس الأولى وقد أشرنا إليه تفصيلا في دراسات لنا سابقة، وهو يعني ثبوت الحكم لشيء بناء على ثبوته لما هو أولى بالثبوت منه، وقد أشرنا إلى المثال التوضيحي له من قبل، وهو قياس برهاني عقلا ونقلا أشار إليه القرآن في كثير من آياته، قال تعالى مستدلا على البعث: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ، قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ، الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ، أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ} [يس: 78-81] .
تأمل معي هذه الآية الكريمة تجدها تنطلق من عالم الشهادة باعتباره واقعا محسوسا لا يمكن إنكاره، وتستدل به على الخلق الثاني. وقد تضمنت الآية عددا من الأدلة تعتمد كلها على عالم الشهادة كركيزة أساسية للاستدلال على البعث:
الدليل الأول: {ضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ} وسبب نزول الآية أن أحد المشركين قد أنكر البعث وقال للرسول وقد أمسك قطعة