والله تعالى قد خلق هذا العالم أول مرة من العدم، وأخبرنا في كتابه الكريم أن هذه الحياة الدنيا ليست غاية في ذاتها، وإنما هي مزرعة الآخرة, حيث تجزى فيها كل نفس بما كسبت، يقتص فيها من الظالم للمظلوم تحقيقا لمعنى العدل الإلهي كما قال سبحانه: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ} [المؤمنون: 115] ، والعقل يجد قبولا لأخبار القرآن عن اليوم الآخر وتصديقا له وذلك من خلال مشاهدته لهذا العالم، وإيمانه بأن الذي خلق أول مرة يكون قادرا على إعادة الخلق مرة ثانية.

ومعلوم أن الخلق الأول كان من العدم، والخلق الثاني لا يكون من العدم وإنما يكون من وجود، ذلك أن الإنسان إذا مات تحلل جسده وعاد إلى أصله الترابي، فالجسد الإنساني ليس غريبا على التراب وإنما هو منه وإليه كما قال سبحانه: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} [طه: 55] ، ولما كان الخلق أول مرة من العدم كان أكثر صعوبة في منطق العقل من الخلق الثاني، وبالتالي يكون الخلق الثاني أهون وأيسر من باب أولى. فالذي يخلق من عدم أولى به أن يكون قادرا على الخلق من الوجود، والأمر في ذلك يشبه تماما المثال الذي سقناه لتوضيح الموقف من عالم الشهادة.

وهذا ما نبه إليه القرآن الكريم في أكثر من آية حيث نبهنا إلى أن الخلق الثاني أهون على الله من الخلق الأول؛ لأن بدء الخلق كان

طور بواسطة نورين ميديا © 2015