وهذه قضية حاسمة في الفرق بين التصور الإسلامي للمعرفة وغاياتها وأهدافها والتصور الفلسفي عند الماديين، فلا مجال هنا للقول بالعبثية أو المصادفة، والكون كله من سمائه إلى أرضه ما علمناه منه وما لم نعلمه مظهر من مظاهر الحكمة والإتقان والعلم, علم ذلك من علمه وجهله من جهله، إنه صنع الله الذي أتقن كل شيء.

{مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ، ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ} [الملك: 3، 4] .

وهذا عكس ما تجده لدى المدارس الفلسفية المادية.

فالكون عندهم ليس له غاية ولا وظيفة؛ ولذلك كان القول بالعبثية أو المصادفة هو الجواب عن علة الخلق وسبب الوجود، وبالتالي فقد قطعوا العلاقة بين الكون وخالقه من جانب وبينه وبين غايته وأهدافه من جانب آخر، وأصبحت الحياة كلها مظهرا من مظاهر العبث واللهو, فلا غاية عندهم من خلق الكون ولا هدف مقصودا, وإنما هي أرحام تدفع وقبور تبلع كما قال الدهريون.

وفي التصور الإسلامي تتجسد الغاية والمقاصد وتنتفي المصادفة والعبثية، وفي القرآن الكريم نجد الإشارات المتكررة التي تلفت نظرنا إلى وظائف هذا الكون, وغاياته التي أمرنا الوحي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015