الشهادة، فلا يقتصر الموقف المعرفي على مجرد الرؤية الحسية للأشياء مجزأة منفصلا بعضها عن بعض، بل لا بد من الرؤية العقلية أيضا لتجمع شتات المحسوسات في شكل كلي منظم دقيق ينبئ عن حكمة صانعه، ويدل على العناية الإلهية بالكون والقصد الغائي منه, وهذا لا يتأتى إلا بالمزاوجة بين رؤية الحواس ورؤية العقل معا. ولعل هذا يفسر لنا السر وراء جمع القرآن بين الإدراك الحسي, والإدراك العقلي معا ولم يفصل بينهما أبدا, فجاء بذكر الفؤاد أو الأفئدة بعد السمع والبصر في كل موارد هذه الحواس في آيات الذكر الحكيم.
ب- الاجتماع البشري:
وكما أمر القرآن بالنظر في الكون الطبيعي والتساؤل حول بدء الخلق وأصله وكيفيته, فقد أمر أيضا بالنظر والتساؤل حول سنن الله الكونية وعن قوانين الاجتماع البشري وآثارها في تاريخ الأمم الماضية، وكيف قامت الممالك واستقرت، وكيف بادت وانحدرت, وكيف ازدهرت الحضارات, ولماذا انهارت وانكسرت.
وما سبب قيام الممالك واستقرارها، وما سبب انهيارها وزوالها ليأخذ المسلم من تاريخ الممالك درسا وعبرة يستضيء بهما في استقرار حاضره وبناء مستقبله. ولقد نبه القرآن في آيات كثيرة إلى هذه القضية خلال ما قصّه علينا من تاريخ الأمم الماضية.