زَوْجٍ بَهِيجٍ، تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ، وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ، وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ، رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ} [ق: 6-11] .
ومن اللافت للنظر في هذه الأوامر الإلهية, وفي هذه التساؤلات أنها جاءت أحيانا في صيغة الأمر المباشر {قُلِ انْظُرُوا} وأحيانا في صيغة الاستفهام الإنكاري الذي يفيد التعجب من عدم الانشغال بهذه التساؤلات {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا} مما يتضمن اللوم والعتاب, وأحيانا يجيء في صيغة الأمر المؤكد باللام ليفيد الإلزام والإيجاب {فَلْيَنْظُرِ ... } .
ولا شك أن تعدد الصيغ وتنوعها حول هذه التساؤلات يشير إلى ضرورة الانشغال بها والاهتمام بها كجزء أساسي في تنوير الوعي بالكون, وتثقيف العقل الجماعي للأمة, وبناء الجسور التي يعبر خلالها الإنسان من رؤيته الحسية لعالم الشهادة إلى بناء رؤيته العقلية لما وراء عالم الشهادة. وهذا ركن أساسي في بناء الموقف المعرفي، أن يجعل عالم الشهادة منطلقا له إلى عالم الغيب، أن يتخذ عالم الشهادة دليلا له لإثبات ما وراءه, ومنهجه في ذلك هو طرح هذه التساؤلات القرآنية على العقل لينتقل من المحسوس إلى اللامحسوس, ومن الشهادة إلى الغيب في شكل تتوحد فيه الرؤيتان معا: الحسية والعقلية بحيث لا تنفصل إحداهما عن الأخرى، رؤية الحواس لعالم الشهادة وظواهره ومظاهره, ورؤية العقل والفؤاد لما وراء عالم