فيها هؤلاء المتربصون فرصة للتشنيع على الإسلام بأنه يعارض التقدم ويحارب التطور، مع أن هذه آراء واجتهادات لا تمثل إلا رأي أصحابها, وربما لو تأملها هؤلاء المتربصون بعين الإنصاف لوجدوها صوابا من حيث عللها الغائية ومقاصدها العامة، ولكن أنَّى لهم ذلك وهم لا يفرقون بين آراء الرجال والنصوص الأصلية للإسلام.

أما الأمر الثاني الذي أودّ أن أنبه إليه هنا، فهو موقف الإسلام من توظيف العلم وتسخيره، فإن نتائج العلم والمعرفة أمر محايد صالح لأن يستعمله الإنسان في الخير الذي يسعد البشرية ويحقق لها الرفاهية وطيب العيش، كما أنه صالح في الوقت نفسه لأن يستعمله الإنسان في دمار البشرية وخراب العالم, فهو صالح لأن يستعمل في الخير أو الشر على سواء، صالح لفعل الضدين، وتوجيهه إلى فعل الخير أو الشر خاضع لإرادة الإنسان ومقاصده منه وغايته فيه. وهنا لا بد أن تختلف الغايات وتتعارض المقاصد حسب ثقافة العالم وحضارته، والقيم التي يدين بها، والمجتمع الذي يستظل بسياسته، وحسب الدين الذي يؤمن به. والإسلام يؤكد هنا على أمر مهم جدا وهو أن العلم نعمة كبرى من الله وهبه للإنسان, وأن موضوع العلم هو هذا الكون وما فيه من آيات كبرى وظواهر طبيعية فهو أيضا مخلوق لله، لتحقيق مصالح الإنسان ودفع الضار عنه، ووسائل المعرفة التي يتعامل بها الإنسان مع الكون في الموقف المعرفي هي أيضا مخلوقة لله وخلقت على هيئة مخصوصة لتحصيل هذه المعرفة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015