سواهما. بل هما الحقيقة الحقة الجديرة بهذا الاسم في هذا الوجود؛ لأنهما واقع لا مجال للشك فيه أما ما يدعيه علماء اللاهوت في ربطهما بوجود غيبي "الله" فإن ذلك أسطورة وخيال زائف لا يمكن التحقق من وجوده، والحقيقة المطلقة التي يمكن التحقق من ثبوتها ووجودها هي هذا الكون والإنسان، وما وراءهما فمحض خيال وأسطورة.

وسادت نزعة نقدية لكل ما هو مقدس في أوروبا تبنتها ظاهرة الحداثة والعلمانية التي تنفي كل ما هو ديني ليحل مكانه الواقع، وحاول النقد العلماني للدين أن يجهز على تعاليم الكنيسة لتفسح مكانها للعقل والعلم، وليحل النور العلمي والتنوير العقلي محل هذا الكلام الذي سيطر على عقول أوروبا في العصور الوسطى.

وعلى سبيل الإجمال, تولدت نزعة نقدية ذات طابع علمي قوامها تحويل اهتمام الإنسان من اللاهوت إلى الواقع، وبدلا من أن يكون اللاهوت منظما لحركة المجتمع تحت سطوة الكنيسة ينبغي أن يحتل مكانه التنظيم العقلاني الذي يتم في ضوئه فصل المجتمع عن الدين سياسيا واجتماعيا واقتصاديا, وأن تتخلى الكنيسة ورجالها عن دورهم ليحتل مكانهم العلماء ويحتل العلم مكانة الدين.

ولقد تم ذلك فعلا وتحول رجال الكنيسة إلى مجرد موظفين يتقاضون رواتبهم من الدولة، ويتم تعيينهم في الوظائف وعزلهم منها بأمر الإمبراطور, شأنهم في ذلك شأن أي موظف في الدولة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015