[132] ومنه: حديث أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (من أكل طيبا ... الحديث) أي: أكل حلالا، وعمل في موافقة سنة، وإنما نكر السنة؛ لأن كل عمل يفتقر إلى معرفة سنة وردت فيه. وقوله: (أمن الناس بوائقه) فإنه مفسر في بعض الأحاديث، فروى: (ظلمه وغشمه) وقيل: غوائله وشره. والبائقة: الداهية.
وفيه: (يا رسول الله، إن هذا اليوم في الناس لكثير) والمعنى: إن هذا الذي تذكره وتصفه، وهذا كلام يشكل؛ لبعد التناسب بينه وبين ما تقدمه من قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - ثم لإبهام قوله - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك: (وسيكون في قرون بعدي) فيحتمل أن الرجل قال هذا القول حمدا لله- تعالى- وتحدثا بنعمته في هذه الأمة حيث كثر فيهم من الموصوفين بالوصف الذي ذكره، ثم قال: (وسيكون في قرون بعدي) ليعلم المخاطب أن ذلك غير مختص بالقرن الأول، ويحتمل أن الرجل لما سمع هذا القول، فهم عنه التحريض على الخصال المذكورة، والزجر عن مخالفته، وقد وجد الناس يتدينون بذلك، ويحرصون عليه، فخاف أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - اطلع على خلاف ذلك في مستقبل الأمر منهم، فأحب أن يستكشف عنه فقال هذا القول، ثم إن الرسول - صلى الله عليه وسلم - عرف مصدر قوله هذا، فأجابه بقوله: (وسيكون في قرون بعدي) فاختصر الكلام اعتمادا على فهم السائل، وتهويلا للأمر الذي يحذر عنه، فإن قيل: قد ذكرت في قوله: (وسيكون في قرون) إحدى وجهين متناقضين، لا يمكن التوفيق بينهما، وذلك قولك: وسيكون في قرون بعدي على ما وصفته، وقولك: (وسيكون في قرون بعدي) على خلاف ما وصفته، وكل واحد من الوجهين يدافع الآخر.
فالجواب: أن تقرير المعنى على كل واحد منهما صحيح، والتوفيق بينهما هين، وهو: أن نقول: قد خلت قرون بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - وهم على النعت المذكور، ثم مضت قرون أخرى، وقد ذهبت الديانات وضاعت الأمانات فيصح إذا صرف هذا القرن إلى كلتا الفئتين، والله أعلم.
[133] ومنه حديث أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (إنكم في زمان من ترك منكم عشر ما أمر به هلك .. الحديث) لا يجوز صرف هذا الحديث إلى عموم المأمورات لأنا قد عرفنا