[2760] ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث سلمان- رضي الله عنه: (وأمن الفتان) الفتان يروى بفتح الفاء على لفظ الواحد، قيل: أريد به الشيطان يفتن الناس بخداعه وغروره وتزيينه لهم المعاصي.
قلت: والأقرب أن يكون المراد منه الذي يفتن المقبور بالسؤال فيعذبه، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: (فيقبض له أعمى أصم) وقال: (ولقد أوحى إلى أنكم تفتنون في قبوركم) ويروى بضم التاء، على الجمع، وفي حديث قيلة: (المسلم أخو المسلم، يتعاونان على الفتان) أي: يعاون بعضهم بعضاً على الذين يفتنون الناس عن الحق، الواحد: فاتن، ويؤيد ما ذهبنا إليه في تأويل هذا ما ورد في بعض طرقه عن سلمان: (ومن مات فيه وقى فتنة القبر)، وما في حديث المقدام بن معدي كرب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (ويجار من عذاب القبر) يعني: الشهيد.
[2763] ومنه: حديث أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (من خير معاش الناس رجل ممسك بعنان فرسه .. الحديث) يقال: عاش الرجل معاشاً ومعيشاً وكل واحد منهما يصلح أن يكون مصدراً، وأن يكون اسماً مثل معاب ومعيب وممال ومميل.
وفي هذا الحديث (معاشاً) يصح أن يكون مصدراً، ويصح أن يكون اسماً وفي بعض طرق هذا الحديث: (ألا أنبئكم بخير الناس، رجل ممسك بعنان فرسه) ووجه التوفيق بين الصيغتين أن نقول: معنى قوله: (بخير الناس) أي: من خيرهم معاشاً، وذلك مثل قوله - صلى الله عليه وسلم -: (خيركم ألينكم مناكب في الصلاة) وما يجري مجراه، وقد يكون فيهم من هو خير منه، على غير هذا النعت، وبيان هذا النوع من الكلام قد تقدم فيما سبق من الكتاب.
وفيه: (يطير على متنه) الطيران على متن الفرس عبارة عن المصارعة إلى سداد ما يكاد يتثلم، وصدع ما يكرب يتشعب.
وفيه: (كلما سمع هيعة) الهيعة: كل ما أفزعك من صوت أو فاحشة تشاع والأصل فيها سيلان الشيء المصبوب على وجه الأرض مثل الميعة، والهائعة: الصوت الشديد. ومعنى الفزعة هاهنا الاستغاثة، يقال: فزع إذا زعر، وفزع إذا استغاث.
وفيه: (يبتغي القتل والموت مظانة) الكلمات الثلاث المتواليات منصوبة: (القتل والموت) على المفعولية و (مظانة) على الظرفية، اي: يطلبه حيث يظن أنه يكون: ومظانة جمع مظنة، هي: مكان الشيء ومألفه.