الزيادة ما أراها وردت مورد الاشتراط لإذن الله، بل وردت مورد البيان؛ لكون كل نبي حسن الصوت ومنه الحديث (ما بعث الله نبيا إلا حسن الوجه، حسن الصوت).
وفيه (يتغنى بالقرآن) ذهب كثير من أهل العلم فيه إلى معنى الإعلان ويدل عليه قوله (يجهر به) فإن ذلك كالتفسير له وقد روي عن أبي عاصم النبيل أنه قال: أخذ ابن خديج بيدي فأوقفني على أشعب الطماع، فقال: غن ابن أخي ما بلغ من طمعك. أي أخبرنا به معلنا غير مسر وفي معناه قول (ذو) الرمة:
أحب المكان القفر من أجل أنني .... به أتغنى باسمها غير معجم
أي أفصح باسمها وأعلن به غير مخفت، وأراد بالقرآن هاهنا الجنس الذي يتلى من كتب الله المنزلة.
[1514] ومنه: حديث سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - عن النبي (- صلى الله عليه وسلم -): (ليس منا من لم يتغن بالقرآن).
قلت: قد ذهب بعضهم في معناه إلى ترديد الصوت وتزيينه بالنغمات، وهذا - وإن اقتضاه اللفظ - فإن أول الحديث يمنع عنه لأن قوله: (ليس منا) من باب الوعيد أي ليس من أهل سنتنا وممن يتبعنا في أمرنا، ولا خلاف بين الأمة أن قارئ القرآن مثاب على قراءته مأجور من غير تحسين منه صوته فكيف نعلمه مستحقا للوعيد وهو مثاب مأجور فأحسن ما يذهب إليه في المعنى إما الإعلان والإفصاح به ونجعله تبعا للإقرار بتوحيد الله تعالى ونبوة أنبيائه ويجعل الجهر به والإشادة بذكره في شعار الإسلام وإقامته [179/ب] كالإعلان بالشهادتين في صحة الإيمان وإما الاستغناء قال الأعشى:
وكنت امرأ زمنا بالعرا .... ق عقيف المناخ طويل التغني
وقال ابن الأعرابي: إن العرب كانت تتغنى بالركباني إذا ركبت الإبل وإذا جلست في الأفنية وعلى أكثر أحوالها فلما نزل القرآن أحب النبي (- صلى الله عليه وسلم -): أن يكون هجيراهم القرآن مكان الركباني وهذا الوجه راجع أيضا إلى أحد المعنين: إما رفع الصوت به وإما الاستغناء به عما يخالفه ويتعداه من الأحاديث، فإن قيل: أو ليس في الحديث (زينوا أصواتكم بالقرآن).
قلنا: نعم ونحن لا ننكر تحسين الصوت بالقراءة والترديد فيه على وجه لا يخل بنظام الكلام ولا يقطع