وسيذكر في المواقيت. والأبواء: قرية من عمل الفرغ من المدينة بينها وبين الجحفة ثلاثون أو عشرون ميلا سميت بذلك لتبوء السيول بها.
ومن الفصل الذي يليه
[1507] منه حديث أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - عن النبي (- صلى الله عليه وسلم -): (تعاهدوا القرآن ...) الحديث. قد ذكرنا فيما مضى أن التعهد والتعاهد هو التحفظ بالشيء وتجديد العهد به ومعناه - هاهنا - التوصية بتجديد العمل بقراءته؛ لئلا يذهب عنه وفي معناه (استذكروا القرآن): أي تفقدوا القرآن بالذكر وهو عبارة عن استحضاره في القلب وحفظه عن النسيان بالتلاوة وهو في رواية ابن مسعود وفيه (لهو أشد تفصيا من الإبل في عقلها).
التفصي من الشيء التخلص منه. تقول من الديون: إذا خرجت منها، وعقل جمع عقال مثل كتب وكتاب يقال: عقلت البعير أعقله عقلا وهو أن يثنى وظيفه مع ذراعه فيشدهما جميعا في وسط الذراع وذلك الحبل هو العقال. ويجوز تخفيف الحرف الأوسط في الجمع مثل كتب وكتب والرواية فيه من غير تخفيف وتقدير الكلام: لهو أشد من الإبل تفصيا من عقلها.
والمعنى أن صاحب القرآن إذا لم يتعاهده بتلاوته والتحفظ والتذكر حالا فحالا إلا كان أشد ذهابا من الإبل إذا تخلصت من العقال فإنها تنفلت حتى لا تكاد تلحق.
[1511] ومنه الحديث: سئل أنس - رضي الله عنه - عن قراءة رسول الله (- صلى الله عليه وسلم -) فقال: (كانت مد) أي ذات مد، والمراد منه تطويل النفس في حروف المد واللين عند الفصول والغايات وفي غير ذلك مما يحسن دونه المد وفي كتاب البخاري (كان يمده مدا). وفي رواية: (كان مدا) أي: كان يمده مدا وفي المصابيح كانت على ما ذكرتا، ولم نطلع عليه رواية، وفي أكثر النسخ قيده (مداء) على زنة فعلاء أي كانت قراءته مداء. والظاهر أنه قول على التخمين ممن تخبط فيه بخبط [179/أ] العشواء.
[1512] ومنه: حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي (- صلى الله عليه وسلم -): (ما أذن الله لشيء كإذنه لنبي يتغنى بالقرآن) أي ما استمع وذلك عبارة عن حسن موقعه عند الله، فإن الكلام إذا وقع موقع القبول عبر عنه بالاستماع، وكذلك الدعاء إذا بلغ مبلغ الإجابة، ومنه قوله (سمع الله لمن حمده) وأذن الله له أذنا - بفتح الهمزة والذال في المصدر - أي: استمع قال قعنب بن أم صاحب:
صم إذا سمعوا خيرا ذكرت به .... وإن ذكرت بشر عندهم أذنو
في كتاب أبي داود (ما أذن لنبي حسن الصوت) ومنه الحديث (ما بعث [لنبي] حسن الصوت) وهذه