الحديث) قلت هذا الحديث وما في معناه من باب التأييد الذي أيد الله به رسوله ولهذا أخبر عنه قبل أن يخبره أبو هريرة وأخبر أنه سيعود ثم أخبر في آخر الثلاثة أنه شيطان ومصادفة أبي هريرة إياه وتمكنه منه وتخليته عنه مع رده خاسئًا من غير أن ينال من حاجته شيئا كل ذلك أيضًا داخلٌ في باب التأييد بل هو أبلغ في حق من كوشف به من الأول؛ لأن أبا هريرة قد علم أنه إنما كوشف بما كوشف به ونال ما نال منه ببركة متابعته ولإخفاء أن إكرام التابع تكرمه للمتبوع أعز وأعل من إكرام المتبوع نفسه وإلى مثل هذا المعنى يذهب في قوله سبحانه وتعالى: {قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طفك فلما رآه مستقرًا عنده قال هذا من فضل ربي} فنرى فضل الله عليه بتمكين أحد أتباعه مما أراد ثم من تمكينه إياه والله أعلم.
[1468] ومنه حديث [173/ب] ابن عباس - رضي الله عنه - (بينا جبريل عند النبي - صلى الله عليه وسلم - سمع نقيضا من فوقه ... الحديث) بينا من ظروف الزمان وكذلك بينما ويضاف إلى جملة من المبتدأ والخبر، وإلى جملة من الفعل والفاعل ويستدعى في الصورتين جوابا كما يستدعيه (إذا) و (لما) قال الشاعر:
فبينا نحن نرقبُه أتانا .... مُعَلَّق شِكْوَةٍ وزِنادِ راع
والنقيض صوت المحامل والرحال وما أشبه ذلك وحقيقة الانتقاض ليست الصوت وإنما هي انتقاض الشيء في نفسه حتى يكون منه الصوت وقوله (سمع) مسندٌ إلى جبريل ويحتمل الإسناد إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - على بعد فيه لما يل عليه نسق الكلام (فرفع رأسه فقال: هذا باب من السماء)؛ فهذه الأفعال الثلاثة مسندة إلى شخص واحد وإذ قد عملنا أن جبريل - عليه السلام - كان هو الذي يأتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بخبر السماء ويخبره عنها وعما اشتملت عليه علمنا أن المخبر عن الباب الذي لم يفتح قط هو جبريل - لا النبي لأنه كان أمين الوحي ولم يكن النبي ليخبر جبريل عن أمر السماء فعرفنا أن إسناد قوله (سمع) إلى جبريل.
وفيه (فنزل منه ملك إلى الأرض) هذا قول الراوي في حكايته الحال سمعه عن النبي - عليه السلام - أو بلغه منه.