[1463] ومنه: حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (لا تجعلوا بيوتكم مقابل .... الحديث) أي اجعلوا لبيوتكم حصّةً من الذكر والتلاوة والصلاة؛ لئلا تكون كالمقابر التي تورَّط أهلُها في مهاوى الفناء فقصرت مقدرتهم عن العمل وذلك نظير قوله - صلى الله عليه وسلم -: (صلوا في بيوتكم ولا تتخذوها قبورًا) وقد مر الحديث مبيَّن المعنى فيما تقدم من الكتاب.
[1464] ومنه حديث أبي أمامة الباهلي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه اقرءوا الزهراوين ... الحديث) الزهراوين أي المنيرتين الأزهر: النيرّ.
ومنه قيل للنيرين: الأزهران قلت: وفيه تنبيه على أن مكان [السورتين على ما عداهما] من سورة القرآن فيها يلوح عليهما لأولى البصائر من أنوار كلمات الله التامات مكان القمرين من سائر النجوم فيما يتشعب منهما لذوى الأبصار من النور والضياء (يأتيان يوم القيامة) أي يأتي ثوابهما الذي يستحقه التالي لهما العامل بهما، على ذلك فسره علماء السلف.
وفيه (كأنهما غمامتان أو غيايتان أو فرقان من طير صواف)، الغياية: كل شيء أظل الإنسان فوق رأسه [172 / أ]. مثل السحابة والغبرة والمظلة ونحو ذلك (والفِرْقُ) الفلق من الشيء إذا انفلق ومنه قوله سبحانه {فكان كل فرق كالطود العظيم} وقيل للقطيع من الغنم فرق، وفرقان من طير أي: طائفتان منها. وصواف جمع صافة يقول صففت القوم إذا أقمتهم في الحرب على خط مستوٍ، وصفت الإبل قوائمها فهي صافة وصواف قال الله تعالى {فاذكروا اسم الله عليها صواف} أي قائمات. وقد صففن أيديهن وأرجلهن. وطير صواف: يصففن أجنحتهن في الهواء ومنه قوله سبحانه {والطير صافات}.
وفيه (تحاجان عن صاحبهما) الأصل في المحاجة أن يطلب كل واحد من المتخاصمين أن يرد صاحبه عن حجته ومحجته وأريد ها هنا مدافعة السورتين عن صاحبهما والذب عنه. وذلك داخل في المعنى المراد من المثل المضروب؛ لأنه إنما ضرب مَثل السورتين مرة بغمامتين وكرة بغيايتين وتارة بفرقين من طير لينبه على أنهما يظلاان صاحبهما عن حر الموقف وكرب يوم القيامة، وإنما بنى الأمر في بيان المراد على الأنواع