الأترجة ...) الحديث، قلت هذا الحديث وإن بيَّن المعنى لا يكاد يخفى المراد منه على النكد البليد [169/أ] فضلاً عن القَطن اللبيب فإني لم آمن فيه عثرة من يستحوذه الشيطان ويستهويه فيخيل إليه قصورًا ما في [....] الفضل ومراتب الكمال ويسوس إليه أن البليغ إذا [نسج] على هذا المنوال يمكنه أن يأتي من الأمثال بما هو الشاهد عليه ألذّ وأطيب وأتم وأكمل من الأترجة وأنَّ في ذلك نزولاً من الأعلى إلى الأدنى والتفاتًا من الأمثل إلى الأرذل ويأبى الله أن يأتي أوفى اللفظ والمعنى بأعذب وأوجز وأتمَّ وأبلغ مما يأتي به الرسول - - صلى الله عليه وسلم - ومعاذ الإله من التورُّط في هذه الهوة ومن هذا الباب دخلت الفتنة على أناسٍ أعمى الله عيني قلبهم حتى سمعوا الله يذكر الذباب والعنكبوت في كتابه ويضرب للمشركين به المثل فضحكوا وقالوا ما يشبه هذا الكلام الله فرد الله عليهم بقوله {إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها} فرأينا إماطة الأذى عن الطريق فنقول وبالله التوفيق: قد ذكرنا فيما مضى أن المثل عبارة عن المشابه بغيره في معنى من المعاني وأنه لإدناء المتوهم المشاهد، وكان النبي عليه السلام يخاطب بذلك العرب ويحاورهم، ولم يكن ليأتي في الأمثال بما لم يشاهدوه فيجعل ما أورده للتبيان مزيدًا للإبهام، بل يأتيهم بما شهدوه، وعرفوه فيبلغ ما انتحاه من كشف الغطاء ورفع الحجاب، ولم يوجد فيما أخرجته الأرض من بركات السماء لا سيما من الثمار الشجرية التي آنستها العرب في بلادهم أبلغ في هذا المعنى من الأترجة، بل هي أفضل ما يوجد من الثمار في سائر البلدان وأجدى؛ لأسباب كثيرة جامعة للصفات المطلوبة منها والخواصّ الموجودة فيها، فمن ذلك: كبر جرمها؛ حيث لم يعرف في الثمار الشجرية أكبر منها، ومنها: أنها حسن المنظر، طيب الطعم لين الملمس، ذكيّ الأرج، تملأ الأكف يكبر حجمها وتكسيها ليناً وتفعم الخياشيم طيبًا وتأخذ بالأبصار صيغة ولوناً {فاقع لونها تسر الناظرين} تتوق إليها النفس قبل التناول تفيد أكلها بعد التلذذ بذواقها، طيب نكهة ودباغ معدة، وقوة هضم، اشتركت الحواس الأربعة دون الاحتظاء بها: البصر والذوب والشم واللمس وهذه الغاية القصوى [169/ب] في انتهاء الثمرات إليها فمنها ما ينقص منها وليس فيها ما يزيد عليها، ثم إنها في أجزائها تنقسم على طبائع قلما تنقسم عليها غيرها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015