فقشرها حارّ يابس ولحمها حار رطب وقيل بل هو بارد رَطب، وحماضها بارد يابس [وبزرها] حار مجفف وجملة هذه الأجزاء الأربعة في الأدوية الصالحة للأدواء المزمنة والأوجاع المُقلقة والأٍقام الخبيثة والأمراض المُردية كالفالج واللقوة والبرص واليرقان والعصب والبواسير والشربة من بزرها تقاوم السموم كلها وقشره مسمِن وعُصارة قشره ينفع من نهش الأفَاعي شربا وجرمُهُ ضماد، ورائحته تصلح فساد الهواء والوباء، فأية ثمرة تبلغ هذا المبلغ في كمال الخلقة وشمول المنفعة وكثرة الخواص ووفور الطباع.

فإن قيل: قد ذكرت الأمثال إنما تضرب لكشف الغطاء، وإدناء المتوهم عن المُشاهَد وهذه الفوائد التي ذكرتها في الأترجة غير معدودة في الشواهد بل هي مما يتعنى به حذّاق الأطباء ويتوصل إليه بالحدس والتجربة ويخفى علم ذلك على كثير من الألباء فضلا عن الأغمار والسفهاء ثم إنك لو رأيت العبرة بها في التمثل للزمك القول بما احتوت عليه الحنظلة من جنس تلك الفوائد فإنها تدخل في جملة الأدوية.

قلنا: نحن قد بنينا الكلام في هذا الباب على الأصول التي يستوي في معرفتها الذكي والغبي وهي لين المسّ وتصوع اللون وسُطوع الرائحة ولذاذة الطعم ثم ألحقنا بها تلك الفوائد مزيدًا للبيان فيما يختص إدراكه بأولى العلم وذوى الفهم ولا مشاكلة في تلك الأصول بين الأترجة والحنظلة من شيء من ذلك، كيف وهي من السُموم القتالة مع كونها من المرارة في الغاية والنهاية، ثم إنا نقول: إن الشارع - صلى الله عليه وسلم - أشار في ضرب هذا المثل إلى معان لا يهتدي إليها إلا من أُيَّد بالتوفيق فمنها: أنه ضرب المثل بما تنبته الأرض ويخرجه الشجر للمشابهة التي بينها وبين الأعمال فإنها من ثمرات النفوس [والمثل هنا وإن] ضرب للمؤمن نفسه فإن العبرة فيه بالعمل الذي يصدر عنه، لأن الأعمال هي الكاشفة عن حقيقة الحال.

ومنها: أنه ضرب مثل المؤمن بالأترجة والتمرة وهما [170/ أ] مما يخرجه الشجر، وضرب مثل المنافق بما تنبته الأرض؛ تنبيها على علو شأن المؤمن وارتفاع عمله ودوام ذلك وبقائه ما لم تيبس الشجرة وتوقيفًا على ضَعة شأن المنافق وإحباط عمله وقلة جدواه وسقوط منزلته.

ومنها: أن الأشجار المثمرة لا تخلو عمن يغرسها فيسقيها ويُصلح أودَها ويربّها وكذلك المؤمن يقيض له من يؤديَّه ويعلمه ويهديه ويلم شعثه ويسّومه ولا كذلك الحنظلة المهملة المتروكة بالعراء أذلّ من نقع الفلا والمنافق الذي وكل إلى شيطانه وطبعه وهواه.

[1461] ومنه حديث البراء بن عازب - رضي الله عنه - (كان رجل يقرأ سورة الكهف وإلى جانبه حصان ... الحديث (الحِصَان - بالكسر - الكريم من فُحولة الخيل يقال: فَرسٌ حصَان بين التحصين والتحصين وسمّى به، لأنه ضنَّ بمائه فلم ينز إلاَّ على كَريمة ثم كثر ذلك حتى سّمَّوا كل ذكر من الخيل حِصَانًا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015