الترجمة من العربية إلى التركية، وجعل من قصره مكانًا
للمترجمين، فأصبح كأنه أكاديمية علمية.
ثم خلفه ابنه «محمد الفاتح» الذى وصفه المؤرخون بأنه راعٍ لنهضة
أدبية، وشاعر مجيد، وكان يجيد عدة لغات، ويداوم على المطالعة
وبخاصة الكتب العربية التى ملأت مكتبته، ويعنى بالأدب عامة
والشعر خاصة، ويصاحب العلماء والشعراء ويصطفيهم، وقد استوزر
منهم الكثير، مثل: «أحمد باشا» و «قاسم الجزرى باشا»، وعهد إلى
الشاعر الأناضولى «شهدى» أن ينظم قصيدة تصور التاريخ العثمانى
باللغة الفارسية على غرار «الشاهنامة» التى نظمها «الفردوسى».
وكان «محمد الفاتح» إذا سمع بعالم متبحر فى فن من الفنون فى
الهند أو فى السند استماله بالإكرام، وأمده بالمال، وأغراه
بالمناصب، ومثال ذلك: أنه استقدم العالم الكبير «على قوشجى
السمرقندى» وكانت له شهرته فى الفلك، كما كان يرسل كل عام
مالاً كثيرًا إلى الشاعر الهندى «خواجه جهان» والشاعر الفارسى
«جامى».
وبرع «الفاتح» نفسه فى نظم الشعر، حتى اتخذ لنفسه اسمًا شعريا
يستخدمه فى أشعاره التى تعكس رقة إحساسه، ورهافة مشاعره،
وتبرز تكوينه الدينى.
وخلفه ابنه «بايزيد الثانى» وكان عالمًا فى العلوم العربية، وفى
الفلك، ومهتما بالأدب ومكرمًا للشعراء والعلماء.
وكان السلطان «سليم الأول» شغوفًا بالشعر والشعراء والعلم
والعلماء، حتى إنه صحب معه فى حملته على «فارس» الشاعر
«جعفر ُلبى»، واصطحب فى حملته على «مصر» و «الشام» الشاعر
«ابن كمال باشا».
وقد ازدهر الأدب التركى منذ القرن الثامن الهجرى، وبلغ أوجه فى
القرن الحادى عشر، وتأثر بالأدب الفارسى، كما ازدهر نوع من
الشعر الشعبى الموزون فى أوساط سكان «الأناضول»
و «الروملى»، وساهمت الترنيمات الصوفية لشاعرهم «يونس إمره»
المتوفى سنة (721هـ= 1321م) فى تجسيد هذا الأدب الذى حافظ على
وجوده واستمراريته فى المراكز الصوفية، ومن هذا الشكل الشعبى