ثم تجددت الثورة بعد ذلك بأعوام فى «ماردة» و «بطليوس»،
واستولى الثوار على بعض القلاع وتحصنوا بها وكثرت جموعهم، ولم
تفلح حملات الأمير محمد فى إخماد الفتنة والقضاء على الثورة،
وانتهى الأمر بقبول شروط زعيم الثائرين عبدالرحمن الجليقى، بأن
يستقل بحكم بطليوس، ويعفى من الفروض والمغارم، وأن يكون من
حلفاء الإمارة.
ولم تشغل تلك الثورات المتتابعة الأمير محمد عن أمر الجهاد، فتتابعت
حملاته العسكرية إلى «ألبة» و «القلاع» وهزمت النصارى فى عدة
مواقع، كما اتجهت إلى «نبرة» سنة (246هـ = 860م)، وقامت
بتخريب بنبلونة وحصونها وقراها لمدة أسابيع أسر خلالها ابن ملك
«نبرة»، وكان ملك «نبرة» قد تحالف مع ملك «ليون» وقاما بمهاجمة
الأراضى الإسلامية.
وكان يمكن للأمير «محمد» أن يحقق نتائج أفضل فى جهاده مع
النصارى لولا كثرة الثائرين عليه، واتساع أراضى البلاد ووعورتها،
مع قلة العرب بالمقارنة إلى المستعربين والمولدين الذين كثرت
ثوراتهم وقوى ميلهم إلى الاستقلال.
وكان على الأمير «محمد» أن يواجه خطر النورمان الذين عادوا
للهجوم على الأندلس من جديد، فجاءوا بسفنهم إلى «جليقية» فى
(62) سفينة عاثت فسادًا فى الشاطئ الغربى، لكن السفن الأندلسية
كانت متأهبة لها هذه المرة فطاردتها، فاتجهت نحو مدينة صغيرة
تسمى «باجة» تقع فى البرتغال اليوم، لكن المسلمين هزموهم هناك
واستولوا على بعض سفنهم، فاتجهت باقى السفن نحو الشواطئ
الجنوبية عند مصب الوادى الكبير، ثم انحدرت جنوبًا نحو مياه
الجزيرة الخضراء، وقد اتجهت وحدات الأسطول الإسلامى ناحية الغرب
وتمت تعبئة القوات وتجهيز السفن بالنفط والرماة، وحدثت معارك
برية وبحرية عند «شذونة» انتصر فيها المسلمون أولا، لكن السفن
النورمانية عادت وتغلبت ثم توجهت جهة الجزيرة الخضراء وأحرقوا
مسجدها الجامع وأفسدوا ونهبوا، ثم قصدت بعض سفنهم نحو عدوة