ومواجهة أعداء دولته من النصارى، فخرج فى (المحرم سنة 240هـ =
يونيو 854م) على رأس جيشه إلى «طليطلة» لمواجهة الثائرين فيها
من المولدين والنصارى الذين استعانوا بملكى «ليون» ونبرة
«نافارة»، وقد سار الأمير ببعض قواته، وترك بقية جيشه متخفية
وراء تلال «وادى سليط»، فاغترت قوات طليطلة بقلة قوات الأمير
فخرجت لقتاله، وتظاهر الأمير بالهزيمة، وارتد إلى الخلف، وعندئذ
برزت بقية قوات المسلمين، وأطبقت على الثوار وحلفائهم من
النصارى ومزقتهم تمزيقًا، وقتل منهم ما بين أحد عشر إلى عشرين
ألفًا، بينهم كثير من القساوسة.
وعلى الرغم من ذلك فقد استمرت الفتنة فى طليطلة، وواصل
النصارى تحريضهم زاعمين أنهم يتعرضون لاضطهاد دينى
واجتماعى، فاضطر الأمير «محمد» إلى أن يخرج إلى «طليطلة» سنة
(244هـ = 858م) بعد أن أرسل حملتين قبل ذلك لم تنجحا فى إخماد
الفتنة، فحاصر المدينة، ولجأ إلى الحيلة فى تحقيق النصر، فهدم
قواعد القنطرة الكبيرة مع تركها قائمة، فلما احتشد الثائرون لقتاله
سقطت بهم القنطرة فى نهر تاجة وغرق منهم عدد كبير، ثم استخدم
كل إمكاناته فى سحق المدينة حتى استسلم أهلها وطلبوا الأمان
والصلح سنة (245هـ = 859م)، ثم حاكم الأمير كثيرًا من القساوسة
مشعلى الفتنة ونالوا جزاءهم، وخبت جذوة التعصب.
ويجدر بالذكر أن «طليطلة» تعد من أمنع مدن العصور الوسطى بسبب
موقعها على المنحدر الصخرى من نهر تاجة، وإحاطة النهر بهذا
المنحدر، ثم لما فيها من حصون قوية وأسوار عالية ضخمة.
ولم تكن «طليطلة» هى المدينة الثائرة وحدها، فقد قامت ثورات
أخرى فى شمال غربى الأندلس فى المناطق الجبلية هناك، وكانت
«ماردة» الواقعة فى النواحى الغربية المعروفة الآن باسم البرتغال
الموطن الرئيسى للمتمردين المولدين بزعامة «عبدالرحمن بن مروان
الجليقى» فخرج إليها الأمير محمد سنة (254 هـ = 868م)، وداهم
«ماردة» وهدم أسوارها وحصونها، فاضطر الثوار إلى طلب الأمان.