ونالت إقامة المبانى والمنشآت قسطًا عظيمًا من عناية «عبدالرحمن
الأوسط»، فبنى مسجد إشبيلية الجامع، وزاد فى المسجد الجامع
بقرطبة قدر بهوين كبيرين من ناحية القبلة، ونقل المحراب إلى الجزء
الجديد، وأقام أعمدة أخرى، وأقواسًا فوق الأعمدة الأصلية، فكانت
الأقواس المزدوجة التى يعدها المعماريون من روائع العمارة
الإسلامية، وكان صحن المسجد مكشوفًا يدور حوله سور، وتزرع فيه
أشجار النارنج، ولهذا سُمِّى بهو النارنج، وهو الآن صحن الكنيسة.
ولايزال مسجد قرطبة الجامع باقيًا حتى اليوم بكل عقوده الإسلامية
وأروقته ومحاريبه، وقد تحوَّل إلى كاتدرائية فى القرن السادس
عشر الميلادى، وأقام المسيحيون هياكلهم فى عقوده الجانبية،
وبنوا مصلى على شكل صليب فى وسطه، وأزالوا كثيرًا من قباب
المسجد وزخارفه الإسلامية، وجعلوا مكانها زخارف نصرانية، وعلى
الرغم من ذلك فإن آيات القرآن الكريم، والنقوش الإسلامية لاتزال تزين
محاريبه الفخمة وأبوابه.
تجديد الشعر الأندلسى:
بدأت طلائع الشعر الشعبى الأندلسى فى الظهور فى عهد
عبدالرحمن الأوسط، وهو شعر يصاغ بعامية الأندلس التى هى خليط
من العربية والبربرية وغيرهما مع الالتزام بأوزان بحور الشعر العربى
وبخاصة بحرا الرمل والرجز، وهو ما عرف باسم «الزجل» وقد وصل
هذا الفن إلى أوج رقيه بعد ذلك فى زمن ملوك الطوائف على يد ابن
قزمان وغيره.
وقد برز من الشعراء فى هذا العصر «ابن عبدربه»، صاحب العقد
الفريد، ومؤمن بن سعيد، والشاعر الضرير أبو بكر بن هذيل.
الأمير محمد بن عبدالرحمن الأوسط [238 - 273هـ = 852 - 886م]
رشَّحه أبوه لولاية العهد، لأنه رأى أنه أصلح من يتولى الملك، وإن
لم يكن أكبر أبنائه، وقد وصفه المؤرخون بالاتزان والذكاء والعقل
وهدوء الأعصاب.
تولى الأمير «محمد» الحكم فى (4من ربيع الآخر 238هـ = 24 من
سبتمبر 852م)، وقدر له أن يقضى فترة حكمه فى إخماد الثورات