فأوضح المجمع عواقب هذا العمل الوخيمة، وأن المعتدلين من
النصارى يبرءون منه ويستنكرونه، وكان من نتيجة ذلك استقرار
الأوضاع وعودة الوئام بين المسلمين والنصارى بفضل معالجة
عبدالرحمن وحسن تأنيه فى الأمور.
وفاة عبدالرحمن الأوسط:
توفى «عبدالرحمن» فى (3 من ربيع الآخر 238هـ = 23 من سبتمبر
852م) عن عمر يناهز (62) سنة، بعد أن حكم البلاد أكثر من إحدى
وثلاثين سنة، عدت من أزهى سنوات الحكم الإسلامى فى الأندلس،
فقد عاش الناس فى رخاء وعم الهدوء والاستقرار البلاد، وقام الحكم
على أسس من العدالة والنظام.
وقد اعتمد «عبدالرحمن الأوسط» على عدد من الزعماء والوزراء
والقادة المخلصين، وكان الوزراء يعقدون اجتماعاتهم فى قصر
«السدة» فى بيت يسمى بيت الوزارة، ويحمل «الحاجب» رئيس
الوزراء نتيجة مناقشاتهم للأمير، لاتخاذ ما يراه مناسبًا. وكان الوزير
يتقاضى مرتبًا شهريًا قدره (350) دينارًا وجرى عبدالرحمن على سنة
أبيه فى اصطفاء الموالى والصقالبة، وكان له خمسة آلاف، منهم
ثلاثة آلاف يرابطون إزاء أبواب القصر على الرصيف، وألفان على
أبواب القصر، وهم الذين كانوا يسمون الخرس بسبب عجمتهم.
ولم يكن عبدالرحمن الأوسط أميرًا فحسب، وإنما كان أديبًا شاعرًا
وعالمًا حكيمًا، أحاط نفسه بجماعة كبيرة من الشعراء والعلماء
والأدباء، كما كان أول من عُنى بجمع الكتب من أمراء الأندلس، وقد
أوفد شاعره «عباس بن ناصح» إلى المشرق يبحث له عن كتب،
فجمع منها طائفة كبيرة كانت نواة مكتبة قرطبة العظيمة، ومن
الشخصيات التى أحاطت به:
- على بن نافع:
الموسيقى المعروف بلقب زرياب (الطائر الأسود)، وكان قد غادر
بغداد إلى قرطبة، فاستقبله «عبدالرحمن الأوسط» بكل حفاوة،
وعاونه على إظهار فنه، فأنشأ معهدًا لتعليم الموسيقى وابتكر
طريقة لكتابتها، وأنشأ فرقة موسيقية تجمع بين العازفين
والمنشدين، واخترع وترًا خامسًا أدخل به تعديلا على العود، كما