بالنصارى فى عدة مواقع، وخربت مدينة «ليون» وأحرقت حصونها،
وأطلقت سراح المسلمين، وألزمت القوات المعتدية بدفع جزية كبيرة
وعادت الحملة بقيادة «عبدالكريم» إلى قرطبة مثقلة بالغنائم، وكانت
تلك آخر غزوات هذا القائد المظفر الذى استمر يدافع عن الأندلس فى
ميادين القتال أكثر من ثلاثين سنة؛ حيث توفى فى سنة (209هـ =
824م)
ثم تعرَّضت البلاد لعدد من الثورات والفتن والقلاقل فى «طليطلة»
و «ماردة» دامت سنوات طوال، واستنفدت كثيرًا من الجهد والمال
وإراقة الدماء حتى تمكن «عبدالرحمن» من القضاء عليها.
عاود «عبدالرحمن» نشاط الجهاد، فبدأ يرسل الصوائف كل عام إلى
الشمال تارة إلى أطراف الثغر الأعلى لتشتبك مع الفرنجة، وتارة إلى
«ألبة والقلاع» حيث تغير على بلاد البشكنس وأطراف مملكة جليقية
(ليون)، وكان أحيانا يقود تلك الصوائف، مثلما فعل سنة (228هـ =
843م) حيث سار بجيشه إلى الشمال، وزحف على بلاد البشكنس،
وألحق بملكها الهزيمة، واضطر إلى طلب الأمان، وعاد عبدالرحمن
إلى قرطبة بعد أن وطد نفوذه هناك، وفرض هيبته وقوته على
البشكنس، حتى لايتجرءوا على مهاجمة أراضى المسلمين مرة أخرى.
غزوات النورمان:
المقصود بالنورمان: هم أهل الشمال سكان اسكنديناوه ودانيماركه،
الذين اشتهروا بجوب البحار ومحاولة التغلب على قسوة الجليد
وأهوال الطبيعة، وبدأت جموعهم تغزو فرنسا وشواطئ أوربا
الغربية فى أوائل القرن التاسع الميلادى، تحملهم سفن صغيرة ذات
أشرعة سوداء، تدخل مصبات الأنهار، وتنشئ لها مراكز داخل البلاد،
وتغير على المدن وتنهب خيراتها، ثم توقد النيران للتعمية، ثم تهرب
مسرعة.
وكان ظهور هؤلاء فى مياه الأندلس لأول مرة سنة (230هـ= 845م)؛
حيث جاء أسطول لهم فى ثمانين سفينة، ورسا فى مياه «إشبونة»
فكتب حاكمها إلى «عبدالرحمن» يخبره بذلك، وحدث احتكاك بين
هؤلاء والمسلمين مدة ثلاثة عشر يومًا، ثم سار الأسطول النورمانى