ولم يكن الحكم الربضى كأبيه محبا للعلماء والفقهاء، فتراجعت

مكانتهم فى زمنه وآثر عليهم حضور مجالس الإماء والشعراء،

وانصرف إلى حياة اللهو والصيد.

ويُعدُّ الحكم أول من أظهر هيبة الملك بالأندلس وفخامته، ورتَّب للبلاط

نظمه ورسومه، واستكثر من الموالى، فظهر «الصقالبة» بكثرة فى

بلاطه، وأسند إليهم معظم شئون الحكم والحرس الخاص، ووصل بهم

إلى مراتب القيادة والرياسة، كما كانت له شرطة قوية وعيون على

الناس.

وضمَّت حكومته شخصيات بارزة فى تاريخ الأندلس، منهم: «ابن

مغيث» الذى تولَّى حجابته، واستحدث منصبًا يهتم بشئون أهل الذمة،

سمَّى شاغله بالقومس أو «القمط».

وعلى الرغم من اشتعال الفتن والثورات فى عهد الحكم، فقد ازدهرت

العلوم والآداب ونبغ عدد كبير من الكتاب والشعراء والعلماء، منهم

«عباس بن ناصح الثقفى»، وابنه «عبدالوهاب»، و «أبو القاسم عباس

بن فرناس»، و «يحيى الغزال».

عبدالرحمن الثانى (الأوسط) بن الحكم [206 - 238هـ = 822 - 852م]

تولى «عبدالرحمن» الحكم فى (27 من ذى الحجة 206هـ = 822م)

بعهد من أبيه؛ وكان «عبدالرحمن» منذ صغره شغوفًا بدراسة الأدب

والحديث والفقه، ذا عقل مستنير، خبيرًا بشئون الحرب والسياسة،

هادئ الطباع، حسن العشرة، متقربًا إلى الناس، حازمًا فى أمره،

ولهذا كان مؤهلاً لإزالة ما خلفته إمارة أبيه الحكم من آثار سيئة.

وقد واجه «عبدالرحمن» فى أول ولايته سنة (207هـ = 823م) ثورة

فى «بلنسية» دامت عدة سنوات، ولم تنته إلا فى سنة (213هـ =

828م) حيث نجح فى القضاء عليها وإخماد فتنتها، كما واجه ثورة

فى قرطبة نجح فى القضاء عليها أيضًا.

استأنف «عبدالرحمن الثانى» برنامجه فى الجهاد مبكرًا، فأرسل فى

سنة (208هـ = 823م) حملة عسكرية بقيادة «عبدالكريم بن عبدالواحد

بن مغيث» إلى «ألبة والقلاع» بعد أن أغار ملك جليقية (ليون) على

مدينة سالم فى الثغر الأعلى، وقد نجحت الحملة فى إلحاق الهزيمة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015