بلغت هذه الأنباء المؤلمة مسامع «زهير» أسرع بمن معه من الجنود
-وكانوا قلة- لنجدة المدينة، ولكن الروم كانوا كثرة، فخرجوا عليه
وعلى جنوده من كل مكان، وأسفر ذلك عن هزيمة المسلمين
واستشهاد «زهير».
- حسان بن النعمان:
لم يستطع الخليفة «عبدالملك بن مروان» اتخاذ موقف حاسم إزاء
الكارثة التى حلت بالمسلمين بإفريقية، نظرًا لانشغاله بثورة «عبدالله
بن الزبير»، فلما قضى عليها، عاوده التفكير ثانية فى إفريقية،
وكيفية معالجة أوضاعها، وبدأ فى البحث عن قائد جديد يتولى
مهمة قيادة حملة جديدة على إفريقية، ووقع اختياره على القائد
«حسان بن النعمان». الذى كانت له مكانة مرموقة لدى بنى أمية،
وحرصت الخلافة على أن تهيىء له عوامل النصر، فحشدت له أعدادًا
غفيرة من الجنود، ووفرت له العدة والعتاد اللازمين فانطلق «حسان»
إلى إفريقية على رأس جيش تعداده أربعون ألف مقاتل، وعزم على
القضاء على قوة الروم، وخطورتهم على التواجد الإسلامى بهذه
البلاد، وما إن وصل بجيشه إلى «القيروان» - على أرجح الآراء - فى
سنة (74هـ= 693م) حتى أخذ يستفسر ويسأل عن أماكن تجمعات
الروم، وعدد جنودهم، وأنواع معداتهم، فعلم أن «قرطاجنة» هى
مركز تجمعات الروم وعاصمتهم بإفريقية، فانطلق بقواته نحوها، ثم
حاصرها. وقد كانت مدينة حصينة وتضم أعدادًا كبيرة من الروم،
وكتب الله له شرف اقتحامها وفتحها بعد مشقة وجهد كبيرين، ثم
مضى نحو «صطفورة» وقضى على من بها من جنود الروم والبربر،
ثم توجه إلى «بنزرت» وفتحها؛ وقضى على معاقل الروم بها، ثم
عاد إلى «القيروان» لكى يرتاح الجند، ويستعدوا للمواجهة القادمة.
وبعث «حسان» بالعيون لمعرفة إمكانات «البربر» وأماكن
تجمعاتهم، وأخذ يسأل من حوله عنهم وعن زعمائهم، فعرف أن
هناك كاهنة تدعى «داهيا» من قبيلة «جرادة» البربرية، تمكنت
بادعاءاتها وكهانتها من السيطرة على معظم قبائل البربر، وبسطت