نفوذها عليهم منذ ما يقرب من خمسة وثلاثين عامًا، وهى تقيم فوق
جبل «أوراس»، وقد اتخذته هى وأعوانها معقلاً وحصنًا.
وانطلق «حسان» بجنوده صوب معقل الكاهنة وجموعها من البربر،
والتقى الفريقان فى وادى «مسكيانة»، ودارت بينهما معركة
طاحنة، انتهت بهزيمة المسلمين، وانسحاب «حسان» بمن معه منها،
وعادوا إلى «برقة»، ثم بعث «حسان» بما حدث إلى الخليفة
«عبدالملك»، موضحًا له عوامل الهزيمة، ومدى قوة الكاهنة بمن معها
من حشود البربر، فبعث إليه الخليفة بأن يقيم بجنوده فى مكانه حتى
تعدّ الخلافة الإمدادات اللازمة لجولة أخرى، وامتثل «حسان» لقرار
الخليفة، وشيد هو ومَن معه مساكن للإقامة بها.
وكانت الكاهنة قد أسرت جماعة من المسلمين، وأبقت على حياتهم
لتعرف منهم أخبار المسلمين وإمكاناتهم، وقد استأثرت بخالد ابن
يزيد - أحد الأسرى -ومنحته عطفها، وجعلته فى منزلة ابنها،
فاستغل هذه الفرصة وأمدَّ قائده-سرًّا - بالمعلومات عن أوضاع
الكاهنة وأخبار معاونيها، ومن معها من البربر، فى الوقت نفسه
ظنت الكاهنة أن المسلمين مثلهم مثل بقية الغزاة الذين جاءوا إلى
هذه البلاد بغية الاستيلاء على أموالها وثرواتها وخيراتها، ولذا أمرت
أعوانها بتخريب البلاد وهدم حصونها ونهب أموالها، راجية من وراء
ذلك أن يرحل المسلمون عن هذه المنطقة لانعدام السبب الذى جاءوا
من أجله. ولاشك أن هذا تصور خاطئ، وظن ليس فى محله، لأن هدف
المسلمين الأوحد هو إتاحة الفرصة للشعوب لتعرُّف الإسلام، ونشر
العدل والمساواة بين الناس، وقد جاءت خطوة التخريب التى قام بها
أعوان الكاهنة بعكس ما كان متوقعًا، فضلا عن تدهور اقتصاد
البلاد، وسارع سكان هذه المدن باللجوء إلى المسلمين والاحتماء
بهم، مطالبين بإنقاذهم مما حل بهم على أيدى الكاهنة وأعوانها،
فكان لذلك أثره فى دعم قوة المسلمين. خاصة وأن أهل «قابس»
و «قفصة» وغيرهم، أمدوهم بالمال وأعلنوا لهم الطاعة.