ثم تولى «عبدالملك بن مروان» الخلافة بدمشق فى سنة (65هـ=
685م)، فواجهته المشاكل والثورات العديدة، ولكن ذلك لم يمنعه من
التفكير فى أوضاع إفريقية، وضرورة استعادة نفوذ المسلمين بها،
واستشار من حوله فى ذلك، واستقر الرأى على ضرورة تجهيز حملة
جديدة، يكون على رأسها «زهير بن قيس»؛ لمعرفته بطبيعة المنطقة
وأحوال الناس هناك، فضلا عن شجاعته وحبه للجهاد، فأرسل
الخليفة بذلك إلى «زهير» ببرقة، وأمده بما تحتاج إليه هذه الحملة،
وحشد إليه وجوه العرب، ووفر له المال اللازم، فرتب «زهير» أموره،
وخرج للقاء «كسيلة» وجموع البربر والروم، فعلم «كسيلة» بتحركات
«زهير» وفضَّل الخروج لملاقاته خارج «القيروان». خشية أن ينضم
المسلمون المقيمون بها إلى جيش «زهير»، واختار منطقة «ممس»
التى تبعد مسافة يوم عن «القيروان»، لتكون معسكرًا لجنوده،
لوفرة المياه بها وقربها من الجبال، التى يمكن الاحتماء بها، أو
الهروب إليها إذا ما حلَّت الهزيمة بجنوده.
وصل «زهير» على رأس قواته إلى «القيروان»، واستراح خارجها
عدة أيام عبأ فيها قواته، وتجهز للمعركة، ثم انطلق للقاء «كسيلة»
وجموعه من البربر والروم عند «ممس»، ودارت بين الفريقين معركة
حامية؛ حمى فيها الوطيس، وكثر عدد القتلى من الفريقين، ولكن
المسلمين صمدوا، وتمكنوا من قتل «كسيلة»، فدبَّ الضعف والوهن
فى جموع البربر والروم، وتكاثر عليهم المسلمون من كل مكان،
وقتلوا منهم عددًا كبيرًا، وتتبعوهم حتى فروا من أرض المعركة؛
يجرون وراءهم أذيال الهزيمة المنكرة.
انتهز الروم فرصة رحيل الجيش الإسلامى من «برقة» إلى «القيروان»،
وقرروا مباغتة مدينة «برقة»، مستعينين ببعض قطع أسطولهم
الراسية على شواطئ «صقلية»، وانطلقوا بها صوب «برقة»، فلم
تستطع المدينة مقاومتهم وسقطت بين أيديهم، فألحقوا بها الدمار
واستولوا على ما فيها من أموال، فضلا عن السبايا والأسرى، ولما