إفريقية، ولم تكن هذه هى المرة الأولى التى يتوجه فيها إلى
إفريقية؛ إذ إنه اشترك من قبل فى حملة «عمرو بن العاص» على
«برقة»، وتولى فتح المناطق الداخلية بها، وأقام فيها فترة، ونشر
الإسلام بين سكانها، فأكسبه ذلك خبرة ومعرفة بأوضاع البلاد
وحالة سكانها.
انطلق «عقبة» على رأس قواته التى بلغت عشرة آلاف مقاتل إلى
إفريقية، متخذًا الطريق الداخلى، ومبتعدًا عن الطريق الساحلى؛
لكثرة القلاع والحصون البيزنطية على الساحل، ولرغبته فى استخدام
عنصر المفاجأة مع سكان الواحات، لتحقيق نصر سريع فتحقق له ما
أراد، واستولى على كثير من المدن والقلاع والحصون مثل: «ودن»،
و «جرمة» و «قصور فزان»، و «خادار»، و «غدامس»، كما استولى
على مدينتى «قنصة» و «قصطيلية».
رأى «عقبة» أن أفضل طريقة لتثبيت الفتح الإسلامى فى هذه
المنطقة هو بناء مدينة يسكنها الناس تصبح قاعدة عسكرية، وتكون
مركزًا لأعمال الفتح القادمة، فوقع اختياره على مكان مدينة
«القيروان»، وكان واديًا كثير الشجر، تأوى إليه السباع والوحوش
والهوام، فأعده هو ومَن معه من المسلمين وبنى به مسجدًا ودارًا
للإمارة، ثم بنى الناس دورهم حول المسجد، وظلت عمليات البناء هذه
حتى سنة (55هـ=675م).
وتجلَّت عبقرية «عقبة» فى حسن اختياره لمكان المدينة؛ إذ توافر
فيه البعد الكافى عن شواطئ البحر المتوسط، ليأمن المسلمون
غارات الأسطول البيزنطى المتكررة، والقرب من قبائل البربر ووسط
معاقلهم، وهى خطوة عملية فى سبيل اجتذابهم إلى الدين
الإسلامى، واندماجهم مع العرب الفاتحين، يضاف إلى ذلك أن موقع
«القيروان» كان على الطرق الموصلة إلى «مصر»، وبذلك ضمن
«عقبة» سلامة خطوط إمداده من «مصر»، ولكنه لم يستمر ليجنى
ثمرة جهوده، إذ تم عزله، وتولى «أبو المهاجر دينار» إمارة الجيوش
وولاية المغرب بدلا منه.
أبو المهاجر دينار:
أقبل «أبو المهاجر» على «القيروان»، وكره المقام فيها، فاختط