وكان من المتوقع بعد هذا النصر العظيم أن يواصل المسلمون زحفهم
صوب «المغرب الأوسط»، إلا أن «عبدالله بن أبى السرح» قرر فجأة
العودة بجنده إلى «مصر»، ولعل الذى دعاه إلى ذلك ما علمه من
تأهب البيزنطيين واستعدادهم لخوض معركة شرسة ضد المسلمين
انتقامًا لمقتل «جرجير» وسقوط «سبيطلة»، فآثر عدم المخاطرة
بجنوده، واكتفى بما حقق، خاصة أن المسلمين لم تكن لهم قاعدة
عسكرية قريبة يلجأون إليها عند الحاجة، ولذا عاد بجيشه إلى
«مصر».
ثم توقف النشاط العسكرى فى إفريقية بعد ذلك لتوالى الأحداث
وتلاحقها فى المشرق، حيث ثار بعض الخارجين على الخليفة «عثمان
بن عفان»، وانتهى الأمر باستشهاده، فخلفه الإمام «على بن أبى
طالب»، ولم يلبث أن استشهد هو أيضًا، فتولى «معاوية بن أبى
سفيان» خلافة المسلمين.
معاوية بن حديج:
أدرك «معاوية بن أبى سفيان» أهمية إفريقية من الناحية
الاقتصادية، ودورها المؤثر فى البحر المتوسط، فضلا عن موقعها
المجاور لمصر الإسلامية، فأرسل «معاوية بن حديج» على رأس جيش
لمتابعة الجهاد فى إفريقية، فخرج إليها سنة (45هـ=665م)، والتقى
بالبيزنطيين عند «قمونية»، ودار قتال مرير بينهما أسفر عن انتصار
كبير للمسلمين، وقتل كثير من البيزنطيين، ثم مضى المسلمون نحو
«جلولاء» واستولوا عليها بعد قتال شديد.
وإلى هنا تنتهى المرحلة الأولى من مراحل الفتح التى أُطلق عليها:
«مرحلة الاستطلاع»، وترجع أهميتها إلى أنها مكنت المسلمين من
الاحتكاك بالبربر على أرض «المغرب»، ومعرفة أحوال هذه البلاد،
مما كان له أثر فى إقبال بعض سكان المنطقة من البربر -وبخاصة
فى «برقة» - على الإسلام.
المرحلة الثانية:
وهى مرحلة الارتكاز والانتشار، وتمتد من سنة (50هـ=670م) إلى سنة
(64هـ= 684م)، وتتضمن ولايتى: «عقبة بن نافع» الأولى والثانية،
وولاية: «أبى المهاجر دينار».
عقبة بن نافع:
تولى «عقبة بن نافع» إمرة الجيش فى سنة (50هـ=670م) وتوجه إلى