توقف الفتح ورجع «عمرو بن العاص» إلى «مصر» قبل منتصف سنة
(23هـ = 644م)، بعد أن مهَّد الطريق لمن سيأتى بعده.
عبدالله بن سعد بن أبى السرح:
أحد صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسلم قبل الفتح
الإسلامى بمكة، وتولى إمارة «مصر» فى سنة (25هـ = 646م)، خلفًا
لعمرو بن العاص، فأخذ يصرف أمورها ويدبر شئونها، ويبعث
بالسرايا للإغارة على أطراف إفريقية، ولكنه شعر أن هذه السرايا لم
تعد كافية لتأمين الحدود الغربية لمصر، فبعث إلى الخليفة «عثمان
بن عفان» يستأذنه فى الخروج على رأس حملة عسكرية تجاه
إفريقية لتأمين «مصر» والمسلمين من الخطر البيزنطى المسيطر على
إفريقية، فتشاور الخليفة مع مَن حوله، ووافق على مطلب «ابن أبى
السرح»، وأمده بجيش كبير، ضم نخبة من الصحابة والتابعين بقيادة
«الحرث بن الحكم»، فلما وصل «مصر» انضم إلى قوات عبدالله بن
أبى السرح فصارت نحو عشرين ألفًا، وانطلق بها إلى إفريقية التى
كانت تحت حكم القائد البيزنطى «جريجوريوس» المعروف باسم
«جرجير» فى المصادر العربية.
استعد هذا القائد استعدادًا جيدًا لملاقاة المسلمين، وتحصن فى مدينة
«سبيطلة»، وعسكر المسلمون فى بلدة «قمونية» التى تبعد بضعة
أميال عن مدينة «سبيطلة»، ثم بدأت المفاوضات بين الطرفين،
وعرض المسلمون شروطهم كما أمر الإسلام، وهى: الإسلام، أو
الجزية، أو القتال، ولكن المفاوضات فشلت، وفشل معها الحل
السلمى، وبدأت المناوشات العسكرية بين الطرفين، وشعر المسلمون
بقوة البيزنطيين؛ لقوة تحصيناتهم وكثرة عدد جنودهم، وحين ظنوا
أن النصر لن يحالفهم أقبل عليهم «عبدالله بن الزبير» بمدد من
«المدينة» كان له أثر فى تحقيق النصر للمسلمين، ففتحوا مدينة
«سبيطلة» وقتلوا القائد البيزنطى «جُرجير»، وتمكنوا من الاستيلاء
على المعاقل والحصون، وجمعوا مغانم كثيرة، حتى إن سهم الفارس
بلغ ثلاثة آلاف دينار (للفرس ألفا دينار، ولفارسه ألف) وللراجل ألف