عليه وسلم-، وعهد «أبى بكر الصديق»، فلما تولى «عمر بن
الخطاب» أمور الخلافة أسند إليه بعض المهام العسكرية، ومنها فتح
«مصر»، فلما فرغ من ذلك توجه بقواته إلى مدينة «برقة» فاستسلمت
للقائد المسلم دون قتال، ووافقت على شروطه، ودخل بعض أبنائها
فى الإسلام، وارتضى بعضها الآخر دفع الجزية مقابل الاحتفاظ
بعقيدته.
وكان أغلب سكان هذه المدينة من قبيلة «لواته» البترية. فلما اطمأن
«عمرو» إلى استقرار الأوضاع ببرقة قسّم قواته إلى جزئين، وخرج
على رأس أحدهما نحو «طرابلس»، وبعث بالجزء الثانى إلى «زويلة»
و «الواحات الداخلية»، حتى لا يكون الفتح مقصورًا على الشريط
الساحلى فحسب، ولكى يأمن الهجوم عليه من الخلف وقد دل عمرو
بن العاص بذلك على براعة عسكرية وخبرة بفنون القيادة ومعرفة
بأحوال المنطقة وطبيعتها.
كانت «طرابلس» مدينة حصينة ذات أسوار عالية فحاصرها فترة ثم
تمكن من فتحها بعد صدام لم يطل مع القوة البيزنطية الموجودة
بالمدينة، ولم يمكث «عمرو» طويلا بعد أن تم له فتح «طرابلس»،
وسارع بإرسال جزء من جيشه إلى مدينة «سبرت» لمفاجأتها قبل
أن تستعد لملاقاته، وفوجئ أهلها بالمسلمين على أبواب مدينتهم،
فسقطت دون عناء.
وكان يمكن لعمرو بن العاص أن يمضى فى مسيرته ليفتح إفريقية،
لكنه لم يكن ليفعل ذلك دون استئذان الخليفة «عمر بن الخطاب»
ومشاورته، فبعث إليه برسالة جاء فيها: «إن الله قد فتح علينا
طرابلس، وليس بينها وبين إفريقية إلا تسعة أيام، فإن رأى أمير
المؤمنين أن يغزوها، ويفتحها الله على يديه فعل». ولكن الخليفة
رفض رغبة «عمرو بن العاص» فى استمرار الفتح، لحرصه على حياة
الجنود، وعدم الزَّجِّ بهم فى ميادين بعيدة عن مقر الخلافة، خاصة
وأن الخليفة «عمر بن الخطاب» كان على علم ودراية بأحوال
إفريقية، ولديه انطباع بأنها تمثل خطورة شديدة على الجيش الفاتح
لكثرة ثوراتها واشتعال الفتن والقلاقل بها من حين إلى آخر، ولذا