فعاد إلى بلاده خائبًا منكسرًا فى سنة (614هـ)، فكانت هذه أول
صدمة صادفته منذ ولى أمور الحكم فى سنة (596هـ)، ولذلك قال
أحد المؤرخين: «إن هيبة السلطان قد قلت فى قلوب الناس بعد عودته
من العراق، وعد الناس قصده دار الخلافة شؤمًا عليه».
لم يعد «السلطان محمد» إلى بلاده مباشرة حين رجوعه من
«العراق»، وإنما توجه إلى بلاد «ما وراء النهر»، واستقبل هناك
وفدًا من تجار المغول المسلمين، برئاسة «محمود الخوارزمى» الذى
تنتمى أسرته إلى إقليم «خوارزم»، حاملا رسالة من «جنكيزخان»
إلى «السلطان محمد» يقول له فيها: «إن الخان الكبير (يعنى جنكيز)
يسلم عليك، ويقول: ليس يخفى علىَّ عظيمُ شأنك، وما بلغت من
سلطانك، ولقد علمت بسطة ملكك، وإنفاذ حكمك فى أكثر أقاليم
الأرض، وأنا أرى مسالمتك من جملة الواجبات، وأنت عندى مثل أعز
أولادى، وغير خافٍ عليك - أيضًا- أننى ملكت الصين وما يليها من
بلاد الترك، وقد أذعنت لى قبائلهم، وأنت أخبر الناس بأن بلادى
مثارات العساكر، ومعادن الفضة، وإنها لغنية عن طلب غيرها، فإن
رأيت أن تفتح للتجار فى الجهتين سبيل التردد، عمت المنافع وشملت
الفوائد.
شعر «السلطان محمد» بغيظ شديد تجاه هذه الرسالة، إذ كانت تحمل
فى طياتها طابع التهديد والوعيد، فضلا عن الإهانة التى شعر بها
حين اعتبره «جنكيزخان» فى منزلة الابن، وهذا يعنى التبعية
للمغول، ومهما يكن من أمر فقد وافق «السلطان محمد» على إبرام
المعاهدة التجارية التى عرضها عليه «جنكيزخان» إلا أنه سرعان ما
قضى عليها بنفسه وهى مازالت فى مهدها، لشعوره بأنه مازال
قويا، ويجب عليه ألا يعبأ بهؤلاء الهمج من المغول، فضلا عما عرف
عنه من تكبر، وبغض للتواضع والتملق والمداهنة.
بعث «جنكيزخان» - ثانية- برسالة إلى «السلطان محمد»، وكان
يحملها مجموعة من التجار وبصحبتهم عدد من أتباع «جنكيزخان»،
وكانت القافلة كلها من المسلمين، ووصلت إلى مدينة «أترار» التى