حدود طمغاج واقتربنا من عاصمة التون خاتون (أى عاصمة أباطرة

الصين الشمالية وهى بكين) تراءى لنا من مسافة بعيدة أكمة بيضاء

عالية .. تلك الأكمة العالية تبعد عن المكان الذى كنا فيه نحو مسيرة

ثلاثة أيام أو أكثر، فخيل إلينا نحن مبعوثى خوارزمشاه أن تلك

الأكمة العالية ربما كانت جبلا تكسوه الثلوج، فسألنا المرشدين

وأهل المنطقة، فقالوا لنا: إنما هى مجموعة عظام الذين قُتلوا.

وعندما تقدمنا مرحلة أخرى فى الطريق، كانت الأرض قد صارت لزجة

سوداء (بسبب ما اختلط بها من دماء الآدميين) .. وعندما وصلنا إلى

أبواب طمغاج وجدنا فى موضع أسفل برج القلعة عظامًا آدمية كثيرة،

فاستفسرنا عنها، قيل:

إنه فى يوم فتح المدينة ألقى أهلها بعشرين ألف فتاة عذراء من

هذا البرج، فهلكن هناك حتى لا يقعن فى أيدى جيش المغول، فهذه

العظام كلها ما هى إلا رفات تلك الفتيات. وعندما شاهدنا

«جنكيزخان» أحضروا أمامنا ابن التون خان (إمبراطور الصين)

ووزيره مقيدين .. ولدى عودتنا أرسلوا معنا إلى خوارزمشاه الكثير

من التحف والهدايا، وقال لنا: قولوا لمحمد خوارزمشاه: إننى ملك

مشرق الشمس، وأنت ملك مغرب الشمس، وبيننا عهد ومودة ومحبة

وصلح مستحكم، فليستمر التجار، ولتستمر القوافل رائحة غادية بين

الطرفين، ولينقلوا إليك الطرائف والسلع التى فى ولايتى، وبلادك

أيضًا يكون لها نفس الحكم.

كان السلطان «محمد» -آنذاك- يشعر أنه فى أوج قوته، فقد استطاع

بسط سيطرته ونفوذه على «إيران» بأكملها عدا ولايتى «فارس»

و «خوزستان»، وضم «العراق» وبلاد «ما وراء النهر» و «تركستان

الشرقية»، وفكر - فى وقت ما - فى غزو بلاد «الصين» وضمها إلى

حوزته، كما فكر فى أن تكون له الهيمنة على «بغداد» والخلافة

العباسية، كما كانت لسلاطين السلاجقة، ولكن أمله خاب فى هذا

الشأن حين هاجمت جيوشه العواصف والأمطار الغزيرة والثلوج، ومات

عدد كبير من جنوده وهلكت خيوله فى طريقه إلى غزو «بغداد»،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015