وظلت تنفجر فى أماكن كثيرة، وبخاصة فى «العراق» والجزيرة

العربية حتى آخر لحظة فى حياة الدولة، فقد سبق القول: إن الخوارج

شغلوا آخر خليفة أموى، وهو «مروان بن محمد» بثوراتهم العنيفة عن

التنبّه للخطر الداهم الذى زحف عليه من «خراسان»، بقيادة «أبى

مسلم الخراسانى».

- ثالثًا: العصبيات العربية التى احتدمت بين القبائل، وبخاصة بين عرب

الجنوب (اليمن) وعرب الشمال (قيس)، وكانت تلك العصبيات قد خبت

وكمنت بفضل تعاليم الإسلام التى أعلت من رابطة العقيدة، وجعلت

التقوى والعمل الصالح ميزان التفاضل بين الناس لا أنسابهم أو

أجناسهم.

ثم بدأت تطل برأسها فى عهد «عثمان بن عفان»، وكانت من أسباب

الفتنة التى راح ضحيتها الخليفة نفسه، واستمرت فى خلافة «على

بن أبى طالب»، وكان لها أسوأ الأثر فى إفساد الأمر عليه، فزعماء

القبائل اليمنية الذين معه مثل «الأشتر النخعى» و «الأشعث بن قيس»

كانوا يتصرفون من منطلق قبلى، وأعلوا عصبيتهم فوق مصلحة

الإمام «على»، بل فوق مصلحة الإسلام نفسه.

فلما قامت الدولة الأموية استطاع «معاوية» بمهارته السياسية الفائقة

أن يتعامل مع هذه العصبية القبلية بتوازن شديد؛ فاحتفظ بصداقة

الجميع وطاعتهم، وكذلك فعل «عبدالملك بن مروان» وأولاده حتى

«هشام بن عبدالملك» (105 - 125هـ)، ثم انفجرت العصبيات القبلية،

وفتحت فاها كألسنة النيران، دون أن يستطيع أحد أن يوقفها أو

يسد فاها، لأن خلفاء الأمويين الأواخر لم يكونوا أهلا للقيادة فعجزوا

عن التصدِّى لها، وزاد الأمر خطرًا أن تلك العصبيات انفجرت فى

الشام، الحصن الحصين للدولة الأموية، فانقلبت عليهم القبائل اليمنية،

الحليف التقليدى لهم، بسبب تقلب سياسة الخلفاء وتذبذبها من

الاعتماد على اليمنيين تارة وعلى القيسيين تارة أخرى.

والأخطر من ذلك أن العرب حملوا خلافاتهم وعصبياتهم فى كل أرض

يحلون بها، وبخاصة «خراسان» التى أصبحت التربة الخصبة للدعوة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015