فى أوائل سنة (114هـ = 732م) سار «الغافقى» بجيوشه نحو
الشمال وعبر جبال «البرت» من طريق «بنبلونة» ودخل فرنسا؛
حيث قام بمعارك ناجحة ضد أعدائه، وفتح نصف فرنسا الجنوبى
كله من الشرق إلى الغرب فى بضعة أشهر، وواصل زحفه المظفر
حتى أشرف بجيشه على نهر اللوار، وهناك احتشد له «شارل
مارتل» بجيش ضخم من الفرنج والمرتزقة نصف العراة، ويتشحون
بجلود الذئاب، وتنسدل شعورهم الجعدة فوق أكتافهم العارية.
استولى المسلمون على مدينتى «بواتيه» و «تور»، ثم فاجأهم
العدو دون أن تشعر به طلائع المسلمين أو تحسن تقدير عدده،
وأراد عبدالرحمن أن يقتحم «اللوار» ففاجأه «شارل مارتل»
بجموعه الجرارة فارتد إلى السهل الواقع بين مدينتى «بواتيه»
و «تور»، وعبر جيش الفرنج «اللوار» وعسكر غربى الجيش
الإسلامى. عزم «الغافقى» على لقاء العدو على الرغم من أن
بعض قبائل البربر فى جيشه كانت تتوق إلى الانسحاب بما
تحمله من غنائم كثيرة، وأن عدد جنوده قد قل بسبب تخلف
حاميات كثيرة فى المدن والقرى المفتوحة. ودامت المعركة تسعة
أيام دون أن يحقق الفريقان نصرًا حاسمًا، وفى اليوم العاشر
أبدى كلا الطرفين غاية الجلد والشجاعة، وظهر الإعياء على
الفرنج، وبدت علامات انتصار المسلمين، لكن حدث أن افتتح
الفرنج ثغرة فى معسكر غنائم المسلمين وارتفعت فيه صيحة
مجهول تقول إن معسكر الغنائم سيقع فى يد العدو، فارتدت
قوات كبيرة إلى ماوراء الغنائم لحمايتها، واختلت صفوف
المسلمين، وبينما يحاول «الغافقى» إعادة النظام إلى جيشه
أصابه سهم أرداه من فوق جواده قتيلا، فعم الاضطراب بين
المسلمين، وكثر القتل فيهم، واشتد الفرنج عليهم، لكنهم صبروا
حتى جن الليل وافترق الجيشان دون فصل فى (أوائل رمضان
114هـ = 21 أكتوبر 732م)، ثم انسحب المسلمون نحو مراكزهم
فى «سبتمانيا» تاركين غنائمهم. وفى فجر اليوم التالى تقدم