وظيفة خاصة لها مسئول، يعاونه عدد كبير من الناس.
ولا يعنى تنظيم الدولة لوظيفة (الحسبة) منع الأفراد من الأمر بالمعروف
والنهى عن المنكر، بل من واجبهم القيام بهذا، بشرط أن يكون القائم
به عالمًا فقيهًا، وألا يؤدى أمره بالمعروف إلى منكر، ونهيه عن
المنكر إلى منكر أشد، وأن يكون عمله عن طريق النصيحة.
ولما لم يكن من طبيعة الناس كلهم الاستجابة إلى النصح بالتى هى
أحسن، فقد نشأت وظيفة (المحتسب)، واشترط فى شاغلها أن يكون
من أهل الهيبة، ليضرب بقوة على أيدى العابثين بأمن المجتمع فى
غذائه وصناعته وتجارته، وعلى من لا يراعى أصول الشريعة
ومبادئها فى سلوكه، ويضايق الناس بأقواله وأفعاله.
ولم يقتصر عمل (المحتسب) على ضبط سلوك العامة، ومراقبة
أعمالهم، وإنما شمل كبار موظفى الدولة، لحملهم على أداء عملهم
على أفضل ما يكون، ومنعهم من الفساد والتعدى على الناس وقبول
الرشوة، وغير ذلك.
وبدأ نظام (الحسبة) مع بداية الدولة الإسلامية، مثل غيره من النظم
التى سبق الحديث عن بعضها، فقد ثبت فى الصحيح أن الرسول
- صلى الله عليه وسلم - كان أول من باشر عمل (المحتسب) بنفسه، مما
يدل على أهميته، فروى (أبو هريرة) - رضى الله عنه - أن رسول الله
- صلى الله عليه وسلم - مرَّ على رجل يبيع القمح فى سوق (المدينة)
وأمامه صبرة - كومة كبيرة - فأدخل فيها يده الشريفة، فأصابت
بللا، فقال: (ما هذا يا صاحب الطعام؟). فقال: أصابته السماء يا
رسول الله. فقال - صلى الله عليه وسلم -: (أفلا جعلته فوق الطعام كى
يراه الناس؟ من غشَّ فليس منَّا). [صحيح مسلم].
وكان النبى - صلى الله عليه وسلم - يعين من الصحابة من يقوم بهذا
العمل ويراقب الأسواق لمنع الغش فى كل شىء، فكلَّف (عمر بن
الخطاب) بمراقبة سوق (المدينة المنورة)، وعين (سعيد بن العاص)
لمراقبة سوق (مكة) بعد فتحها.
واستمر الخلفاء الراشدون يباشرون عمل (المحتسب) بأنفسهم أحيانًا،