(الزرادشتية)، وهى ديانة وثنية، تؤمن بأن للعالم إلهين، أحدهما إله

الخير، والآخر إله الشر، وإلى جانب تلك الديانة التى كان يدين بها

ملوك (آل ساسان) توجد (البوذية) و (المانوية) و (المزدكية) بالإضافة

إلى اليهودية والمسيحية على نطاق ضيق.

ولم يأخذ المسلمون من هذه الأديان موقفًا عدائيا، ولم يتخذوا إجراءً

ضدها، بل صانوا للناس حرية الاعتقاد، إلى الحد الذى اعتدُّوا فيه

بالمجوسية الفارسية وهى عبادة النار، وعاملوا أتباعها معاملة أهل

الكتاب من اليهود والنصارى، فقبلوا منهم الجزية نظير بقائهم على

دينهم.

ولما اطمأنت نفوس أهل فارس أو معظمهم إلى حكم الفاتحين نظروا

إلى دينهم، مقارنين بينه وبين ما لديهم من أديان فلم يجدوا وجهًا

للمقارنة، فكلها أديان وثنية مليئة بالخرافات والأوهام، فتركوها غير

آسفين، وأقبلوا على الإسلام فى حرية تامة، ودون ضغط أو إكراه،

ولم يفعل ذلك أتباع الديانات الوثنية فقط، وإنما فعله كثير من

المسيحيين. يقول (آرنولد): (وقد أدَّى تغير الحكومة - الساسانية -

إلى تخليص الكنيسة المسيحية المضطربة فى فارس من استبداد ملوك

الساسانيين الذين أثاروا الخلافات .. وزادوا فى فوضى الطوائف -

المسيحية - المتنافرة، ولعل هذه الأحوال المضطربة قد هيأت عقول

الناس لذلك التحول الفجائى فى شعورهم، الذى سهل تغيير العقيدة،

وإلى جانب الاضطراب السياسى فى الدولة ظهرت تلك الفوضى

الأخلاقية التى ملأت عقول المسيحيين .. فمالوا إلى هذا النظام العجيب

من التنسيق العقلى، الذى ينمو فيه الدين الجديد فى سهولة ويسر،

ويكتسح أمامه أكثر الأديان الأخرى، ويحاول أن يقيم الحالة الدينية

والاجتماعية على أسس جديدة، وبعبارة أخرى كان أهل فارس قد

بلغت عقليتهم درجة ساعدتهم على التحول إلى ذلك الدين الجديد،

والترحيب باعتناقه فى حماسة ملحوظة؛ لما يمتاز به من البساطة،

وهكذا قدر للإسلام أن يبدد بضربة واحدة كل هذه الغيوم، وأن يفتح

طور بواسطة نورين ميديا © 2015