خاصة ومستوى ثقافى معين كان لايشغلها إلا المسلمون من أهلها،
لأن هؤلاء المسلمين كما يقول «توماس أرنولد» كانوا أعلى همة
وأوفر نشاطًا وأرفع مستوى من غيرهم من أصحاب الديانات
الأخرى، لأن كل مسلم كان ملتزمًا بتعليم أبنائه القراءة والكتابة بينما
كان غيرهم لايعلمون أبناءهم إلا عندما يريدون لهم الانتظام فى سلك
الكهنوت. ولم يفعل المسلمون ذلك إلا لأن الإسلام جعل من التعليم
فريضة على كل مسلم ومسلمة، وبذلك تغير حال الأفارقة وأنتجوا
علمًا وفقهًا وأدبًا وحضارة لم يطمس معالمها إلا الاستعمار الأوربى
الذى أصيبوا به فى مطلع العصر الحديث.
الوحدة السياسية:
لم تعرف إفريقيا جنوب الصحراء قبل الإسلام دولا كبيرة أو صغيرة إلا
القليل، وكان النظام القبلى هو السائد، وعندما ظهر الإسلام ودخل
القارة (جنوب الصحراء) لم يكن فيها من الدول المعروفة وقتذاك إلا
مملكة «غانة» الوثنية فى غرب القارة، أما فى وسط القارة فلم يكن
هناك إلا دولة «الكانم» الوثنية فى حوض بحيرة تشاد، وهذه الدولة
لم تنشأ إلا فى القرن التاسع للميلاد، أى بعد ظهور الإسلام بحوالى
قرنين من الزمان، أما فى شرق القارة فكانت هناك دولة واحدة هى
مملكة الحبشة المسيحية، وفى أقصى الجنوب كانت هناك مملكة
«مونوموتابا» الوثنية، وباقى إفريقيا جنوب الصحراء لم يكن فيها
إلا المشيخات القبلية لا غير، وكانت حياة الناس لا ينظمها قانون أو
شريعة، إلا ما يقوله الملك أو الشيخ، فكلمته هى القانون، لأنه هو
الذى يهب الحياة ويقضى بالموت، ويبارك الزرع والحصاد، وينزل
المطر، ويتحكم فى كل ما على وجه الأرض، لأنه ببساطة هو الإله
والرب المعبود.
وعندما جاء الإسلام لم ينشئ دولا صغيرة شبيهة بالتى أشرنا إليها
من قبل فقد أقام إمبراطوريات إسلامية كبرى سبق الحديث عنها،
وجمع القبائل المتفرقة المتنازعة والعناصر المتباينة داخل هذه
الإمبراطوريات الكبيرة، وقضى على عادات هذه القبائل فى النهب