والسلب والإغارة، وقضى أيضًا على استبداد الحكام وتألههم
وظلمهم للرعية، بل وجعلهم يخضعون لرجال من رعيتهم نالوا قسطًا
وافرًا من العلم والثقافة هم العلماء والفقهاء، فكانوا لا يبرمون أمرًا
إلا بعد استشارتهم، فعل ذلك - أيضًا - الملوك الوثنيون الذين لم
يكونوا قد دخلوا الإسلام بعد و «البكرى» يقص علينا نبأ ملك «غانة»
الوثنى الذى اتخذ من العلماء المسلمين الذين كانوا يقيمون فى
عاصمته وزراءه ومستشاريه.
وقد أقام الحكام والسلاطين دُورًا للشورى كان واحدها يسمى
«المشور» وكان هذا «المشور» هو المكان الذى يلتقى فيه الحاكم
بالمحكومين، فإذا أصيب أحد من الرعية بظلم أو أصابه مكروه على
يد غيره من الرعية أو الحكام كان يلجأ على الفور إلى «المشور»
ويرفع مظلمته، فكان يقضى فيها على الفور على يد العلماء
والفقهاء أو على يد الوزراء والسلطان نفسه حسب نوع المظلمة.
ولذلك ساد الأمن والأمان والطمأنينة حياة الناس فيما عدا أوقات
الفتن والاضطرابات والحروب.
ونتيجة لذلك كله ارتقت الحياة المادية والعمرانية وازدهرت الحضارة
فى إفريقيا جنوب الصحراء، ويكفى فى ذلك ما سقناه فى صدر هذا
الحديث من شهادات قالها بعض الغربيين المنصفين، وما قاله آخرون
منهم من أن الدول الإسلامية فى إفريقيا جنوب الصحراء شهدت ظهور
مئات المدن ذات المنازل الجميلة المبنية بالحجارة، وكانت هذه المنازل
ذات حدائق جميلة وبعضها - وكما تُبيِّن الحفريات والآثار - كان مصممًا
لأكثر أنواع المعيشة رفاهية وفخامة وكان الناس الذين يعيشون فى
هذه المنازل وتلك المدن ذات الشوارع الفسيحة يرتدون الملابس
الحريرية والقطنية ويتزينون بمقادير كبيرة من الذهب والنحاس
والعاج، كما سكَّوا العملة الذهبية ووجدت عندهم صناعات راقية حتى
إن المنسوجات المقدشية كانت تباع فى مصر وفى شتى أنحاء
العالم الإسلامى.
هذا هو الإسلام وذاك هو تأثيره، وتلك حضارته التى أدهشت الرحالة