وذكر الوجه الثاني: إلى أن قال (?): (والمقصود هنا: أنه لا يجوز أن يكون الله أنزل كلاماً لا معنى له، ولا يجوز أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم وجميع الأمة لا يعلمون معناه، كما يقول ذلك من يقول من المتأخرين. وهذا القول يجب القطع بأنه خطأ، سواء كان مع هذا: تأويل القرآن لا يعلمه الراسخون، أو كان للتأويل معنيان: يعلمون أحدهما، ولا يعلمون الآخر. وإذا دار الأمر بين القول بأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان لا يعلم معنى المتشابه من القرآن وبين أن يقال: الراسخون في العلم يعلمون، كان هذا الإثبات خيراً من ذلك النفي، فإن معنى الدلائل الكثيرة من الكتاب والسنة وأقوال السلف على أن جميع القرآن مما يمكن علمه وفهمه وتدبره. وهذا مما يجب القطع به، وليس معناه قاطع على أن الراسخين في العلم لا يعلمون تفسير المتشابه، فإن السلف قد قال كثير منهم أنهم يعلمون تأويله، منهم مجاهد - مع جلالة قدره -، والربيع بن أنس، ومحمد بن جعفر بن الزبير، ونقلوا ذلك عن ابن عباس، وأنه قال: أنا من الراسخين الذين يعلمون تأويله (?)) (?).
ولما كان ابن قتيبة – رحمه الله – يرى تبعاً للمذكورين آنفاً أن الراسخين في العلم يعلمون التأويل – بمعنى التفسير – نابذه المفوضة وخطؤوه, مستدلين بالنصوص المنقولة عن بعض السلف الذين يرون أن الراسخين في العلم لا يعلمون التأويل – بمعنى الحقيقة والكيفية -. وقد نصره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمهما الله نصراً مؤزراً فقال في الثناء عليه: (وابن قتيبة هو من المنتسبين إلى أحمد وإسحاق والمنتصرين لمذاهب السنة المشهورة، وله في ذلك مصنفات متعددة. قال فيه صاحب (كتاب التحديث بمناقب أهل الحديث): وهو أحد أعلام الأئمة، والعلماء والفضلاء، أجودهم تصنيفاً، وأحسنهم ترصيفاً، له زهاء ثلاثمائة مصنف، وكان يميل إلى مذهب أحمد وإسحاق. وكان معاصراً لإبراهيم الحربي، ومحمد بن نصر المروزي، وكان أهل المغرب يعظمونه، ويقولون: من استجاز الوقيعة في ابن قتيبة يتهم بالزندقة. ويقولون: كل بيت ليس فيه شيء من تصنيفه فلا خير فيه، قلت: ويقال: هو لأهل السنة مثل الجاحظ للمعتزلة. فإنه خطيب السنة كما أن الجاحظ خطيب المعتزلة) (?).
ومن أشهر من رد على ابن قتيبة رحمه الله - في إثبات علم الراسخين بمعاني المتشابه إمام اللغة: أبو بكر بن الأنباري رحمه الله وقد ذب عنه شيخ الإسلام ابن تيمية وبين تناقض اللغويين المانعين لإثبات العلم بالمتشابه، وقال عن ابن الأنباري: (وليس هو أعلم بمعاني القرآن والحديث، وأتبع للسنة من ابن قتيبة، ولا أفقه في ذلك. وإن كان ابن الأنباري من أحفظ الناس للغة؛ لكن باب فقه النصوص غير باب حفظ ألفاظ اللغة) (?). مذهب أهل التفويض في نصوص الصفات لأحمد بن عبدالرحمن القاضي -319
وقد يبقى إشكالان في الآية وهما:
الأول: إعراب الآية يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ على قراءة الوصل.
الثاني: احتمال الآية الواحدة لمعنيين متباينين.
أما الإشكال الأول: وهو إعراب الآية فإن قوله: يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ خبر لمبتدأ محذوف تقديره: هم يقولون أو أنها معطوفة بمحذوف كما في قوله: وَلاَ عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ [التوبة: 92] أي وقلت (?).